من أحاديث الباب حديث عائشة رضي الله عنها (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث رجلاً على سرية فكان يقرأ لأصحابه في صلاتهم فيختم بـ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:1]، فلما رجعوا ذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: سلوه لأي شيء يصنع ذلك؟).
يعني: كان أميراً عليهم، فكان يصلي بهم فيقرأ بآيات ثم يختم بـ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:1]، فأنكروا عليه وقالوا: إما أن تقرأ بها وحدها وإما أن تقرأ بغيرها، لماذا تعمل هذا الشيء؟! فشكوه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يفعل ذلك، ولكن الرجل من شدة حبه لهذه السورة كان يفعل ذلك! فلما سأله النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لأنها صفة الرحمن فأنا أحب أن أقرأ بها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أخبروه أن الله تعالى يحبه).
فهذا الصحابي طغى حبه لهذه السورة على غيرها، وغيره يحب القرآن كله، وينتفع بكل ما في القرآن، ولكن هذا أحب صفة الله المذكورة في هذه السورة؛ فالله عز وجل أحبه لحبه لسورة واحدة، فكيف بمن أحب القرآن كله؟ لا شك أنه أعظم وأعظم من هذا.
هذا تأمل في سورة واحدة منها صفات للرحمن سبحانه تبارك وتعالى، وربنا سبحانه وتعالى أمرنا بتدبر القرآن فقال: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا} [النساء:82]، {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد:24].
فإذا كان الإنسان الآن يعمل مثل هذا الصحابي فنقول: اعمل مثل النبي صلى الله عليه وسلم واتبعه فهو أولى من اتباعك لهذا الصحابي، فهذا تدبر سورة واحدة فيها صفات الله سبحانه تبارك وتعالى، ولكن الله عز وجل أمرنا بتدبر القرآن كله، فتدبر القرآن كله، تدبر الفاتحة التي تقرؤها، وكيف أنك تخاطب الله سبحانه تبارك وتعالى وأنت تقرؤها كما في الحديث: (إذا قال العبد: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة:2] قال الرب سبحانه: حمدني عبدي، فإذا قال: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة:3] قال الله سبحانه: أثنى علي عبدي، فإذا قال: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة:4] قال الله سبحانه: مجدني عبدي، وإذا قال: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5] قال: هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل).
إذاً: الفاتحة فيها صفات لله سبحانه تبارك وتعالى: الله الرحمن الرحيم مالك يوم الدين، والذي يتأمل سيجد في كل القرآن مثل ذلك، فالمؤمن عليه أن يتبع النبي صلى الله عليه وسلم ويحب كتاب الله، ويحب سنة النبي صلى الله عليه وسلم، ويرجو حب الله.
وحب الله غاية عظيمة يدركها الإنسان بفضل الله سبحانه، ولا يوجد إنسان يقول: يا رب إني أحبك وربنا يحرمه من ذلك، ربنا سبحانه تبارك وتعالى أكرم، قال لعباده العاصين: توبوا لأتوب عليكم، فإن كنت تريد حب الله سبحانه تبارك وتعالى فاعمل لذلك، والفضل من الله عز وجل يمن به على عباده.
فلذلك يتقرب المؤمن إلى الله عز وجل ويرجو حب الله ويرجو أن يكون الله سبحانه تبارك وتعالى معه في قيامه في قعوده في نومه في سجوده، في كل وقت يرجو أن يكون الله عز وجل معه، فلذلك يعمل لذلك، ومستحيل أن يتقرب العبد إلى الله ويرجو وجه الله فيبعده الله سبحانه تبارك وتعالى، الله الكريم يعطي على إحسان العبد إحساناً وزيادة على الحسنى: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يونس:26]، فاعمل لله سبحانه وارج فضل الله سبحانه الذي لا يبخل به على أحد أبداً، وفضل الله عظيم.
نسأل الله من فضله ورحمته، ونسأله حبه ومحبته.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم، وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.