إن إبراهيم أبو الأنبياء على نبينا وعليه الصلاة والسلام ابتلاه الله سبحانه وتعالى فصبر.
ابتلاه في أبيه وابتلاه في ابنه وابتلاه في زوجته، فإذا به يصبر الصبر العظيم: ابتلاه في أبيه فكان أبوه كافراً وكان صانعاً للأصنام يصنعها لقومه، وإذا بإبراهيم يجادل أباه حتى يمنعه من ذلك فلم يقدر على ذلك عليه الصلاة والسلام، حتى قال له أبوه: {لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا} [مريم:46] أي: ابتعد عني وإلا رجمتك: {قَالَ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا * وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا} [مريم:47 - 48].
ويذهب مع امرأته سارة إلى مصر فإذا به يجد جباراً من الجبابرة، وإذا بالجبار يسأل: من هذه؟ ويخاف إبراهيم أن يقول: هي زوجتي.
خشية أن يقتله هذا الجبار ليأخذها منه، فكانت الحيلة أن قال: هي أختي، فعرض بالكلام.
وهذه بلية ومصيبة نزلت بإبراهيم وانتظر الفرج من الله سبحانه وتعالى، فإذا بالجبار يأخذها ويريدها لنفسه، وإذا بها تدعو ربها سبحانه ويدعو إبراهيم ربه سبحانه وتعالى، فيكشف الكرب العظيم الذي كان فيه إبراهيم وسارة عليهما الصلاة والسلام.
وصرع الله هذا الجبار حتى وقع ولم يستطع أن يقربها بسوء، مرة ومرتين وثلاثاً حتى قال: إنما أتيتموني بشيطانة، وأرجعها إلى إبراهيم وأخدمها هاجر، فكانت هاجر أمة لـ سارة أهدتها لإبراهيم، فكانت أمة لإبراهيم وأم ولد له بعد ذلك.
وابتلاه الله عز وجل في ولده ووحيده إسماعيل عليه وعلى أبيه وعلى نبينا الصلاة والسلام، الذي جاءه بعد الكبر وبعد سنين طويلة كان يتمنى فيها الولد فإذا بالله عز وجل يأمره في المنام أن يذبح ولده.
حتى يعلم سبحانه علم مشاهدة هل يحب إبراهيم ولده أكثر من حبه لله أم يحب الله أكثر من حبه لولده.
{إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ} [الصافات:102] هل قال: أضغاث أحلام؟ هل قال: هذا أمر من منام ولن أنفذه؟ لا، فقد علم أن أباه لا يرى إلا ما يأمر الله عز وجل به، فقال: {يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ} [الصافات:102].
فكان بلاءً عظيماً أن يذبح ابنه كما يذبح الشاة.
وتله للجبين، واستسلم لأمر رب العالمين، فإذا بالله عز وجل يقول: {أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا} [الصافات:104 - 105] أي: قد فعلت ما أمرت به وأظهرت حبك لنا فوق حبك لأي شيء.
لقد هجر بلده ووطنه وهاجر منهم حين عبدوا غير الله تفضيلاً لحب الله سبحانه فوق حبه للبلد وللوالد وللأهل، لقد كان حبه لله عز وجل فوق كل شيء، عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام.
والإنسان المؤمن يحب الله جل في علاه ويظهر هذه المحبة، وخاصة في وقت البلاء، ويستشعر أن الله عز وجل امتحنه ليرفع درجته وليكفر خطيئته وسيئته، فيرضى بقضاء الله عز وجل، ولا مانع من أن يحزن ولكن لا يتضجر على الله عز وجل ولا يتسخط على قضاء الله وقدره سبحانه قال: (وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله).
يحب أخاه المؤمن لأنه مطيع لله لأنه عابد لله لأنه يحب الله سبحانه وتعالى، (وأن يكره أن يعود في الكفر)، أي: إذا كان كافراً فأسلم، وإذا لم يكن كذلك بأن شب ونشأ على الإسلام وولد فيه يبغض الكفر وأهله كبغضه أن يلقى في النار فإذا كان كذلك فإنه يستشعر ويتذوق حلاوة الإيمان.