عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن من إجلال الله تعالى إكرام ذي الشيبة المسلم، وحامل القرآن غير الغالي فيه والجافي عنه، وإكرام ذي السلطان المقسط).
قوله: (إن من إجلال الله) يقول تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} [الأنعام:91]، فينبغي أن تقدر ربك حق قدره سبحانه، بأن تعمل بدين الله سبحانه وتعالى، وتعزز هذا الدين العظيم لإعزاز الله عز وجل له، وتكرم أهل دين الله سبحانه.
فإذا عرفت قدر ربك سبحانه، فمن هو أقرب إلى الله عز وجل تقدره وتحترمه وتقربه وتدنيه وتفضله على غيره، فالأقرب إلى الله هم أهل العلم الذين يعملون بهذا العلم، فقد جاء في هذا الحديث هنا: (أن من إجلال الله تعالى) يعني: أن من إجلالك لربك وتوقيرك له، واحترامك لدين ربك سبحانه، أن تكرم ذا الشيبة المسلم؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إكرام ذي الشيبة المسلم) أي: الكبير السن، لأنه قد شاب رأسه في الإسلام وصلى أكثر منك.
وقد جاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: أن أخوين كانا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، أحدهما استشهد والآخر مات بعده بشهر أو شهرين أو نحو ذلك، فرأى رجل رؤيا في المنام أن هذا الذي مات متأخراً في مرتبة في الجنة أعلى من الشهيد، فتعجب كيف يكون الميت أعلى من الشهيد؟ فذهب يسأل النبي صلى الله عليه وسلم، فأخبره النبي صلى الله عليه وسلم بالسبب في ذلك وهو أنه عمر بعد هذا الأول شهراً أو شهرين فصلى، فارتفع بها عن درجة هذا الأول، بصلاته شهراً أكثر من الأول.
إذاً: تعرف قدر من هو أكبر منك سناً، أنه صلى صلاة أكثر منك، فلو أن رجلاً كان أكبر منك بعشر سنين، فإنه قد صلى عشر سنوات، وكل سنة ثلاثمائة وستون يوماً، وفي كل يوم خمس صلوات فنضرب ثلاثمائة وستين في عشر سنين في خمسة، فتعرف قدر ذي الشيبة المسلم.
إذاً: من إكرامك لله عز وجل أن تكرم ذا الشيبة المسلم.
قوله: (وحامل القرآن غير الغالي فيه والجافي عنه) أي: أن تكرم حامل القرآن، وحامل القرآن: هو الإنسان الذي حفظ كتاب الله عز وجل وعمل بما فيه، وليس غالياً فيه، بحيث يجاوز الحد فيكون مبتدعاً.
والغالي فيه هو الذي يبتدع ويحمل القرآن ما لا يحتمله، ويحكم رأيه في القرآن، ويأخذ من القرآن ما يوافق هواه، ويفتي بالهوى فيه، فهذا يغالي فيه، أو أنه يجفو بحيث يكون قد حفظه وتركه وراءه ظهرياً فلم يعمل به، ونسي كتاب الله سبحانه وتعالى.
وهنا اثنان: الغالي والجافي، فلا هذا ولا ذاك يستحقان التكريم، إنما الذي يستحقه الإنسان الذي يحفظ كتاب الله ويعمل بما فيه، ويحترم كتاب الله سبحانه وتعالى، يحل حلاله ويحرم حرامه، ويقف عند آياته كما كان الصحابة يفعلون، فمن إكرامك وإجلالك لله سبحانه وتعالى إكرام الإنسان المؤمن الذي يحفظ كتاب الله عز وجل، أو يحفظ بعضه.
قوله: (وإكرام ذي السلطان المقسط) يعني: أن من إجلالك وتوقيرك لله عز وجل أن تحترم الحاكم المسلم الذي يحكم بدين الله سبحانه وتعالى وبشرعه.
ديننا دين عظيم يعود الإنسان المؤمن على حسن الخلق مع الناس، لا أن يكون حراً بحيث يتكلم مع أي إنسان بغير ضابط، ويزيل الحواجز بينه وبين الناس، فالدين يقول لك: الزم حدك، واعرف قدرك مع غيرك تواضع مع العالِم، وتواضع مع السلطان المقسط، وتواضع مع كبير السن، فدين الله عز وجل يعلمنا الأدب الراقي، بأن الصغير يعرف أنه صغير في حضرة الكبير.
أما العلمانية ونحوها فتدعو الناس إلى الحريات بحيث يتعلم الإنسان سوء الأدب، ويجعل نفسه مثل الكبير، فترى الواحد من هؤلاء حين يقعد أمام أبيه يجعل رجلاً على الأخرى، وكذلك أمام مدرسه يجعل رجله وحذاءه أمام وجه أستاذه، وإذا كلمه قال له: أنا حر ليس فيها شيء.
وكثير من أبناء المسلمين يقلدون هؤلاء، فتراه يقعد أمام مدرسه من غير إجلال ولا تبجيل ولا احترام، ويتكلم معه، ويتهكم عليه، ويدير له ظهره، ويستهزئ به ويسخر منه، كل هذه آثام يحملها الإنسان تضره في الدنيا قبل الآخرة، وهذا الإنسان الذي يستهزئ بكبير السن لن يبقى صغيراً مدى حياته فلا بد يوماً أن يكبر وسيُصنع فيه مثل ما صنع بهذا الكبير يوماً من الأيام، والجزاء من جنس العمل.
غير شؤم ذلك الذي يجده في عمله، يجده في بيته، يجده في أولاده؛ لذلك تعلم احترام الكبير، نقول هذا لأبنائنا الصغار الذين في الابتدائية والإعدادية والثانوية، والذين في الجامعة: وقر الأكثر منك علماً، وقر الأكبر منك سناً، احترم أباك وأمك، احترم أخاك الأكبر، احترم كبير السن، لا تكن طويل اللسان، بل تراعي في ذلك الله سبحانه وتعالى، وتذكر أنك الآن صغير فستكون كبيراً يوماً من الأيام، فإياك أن تستهين أو تستهزئ بغيرك، وإلا فستكون هذه الكلمة الذي تقولها سبباً في سخط الله عز وجل عليك، وقد ينطبق عليك حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي يقول فيه: (إن العبد ليتكلم بالكلمة لا يلقي لها بالاً تهوي به في النار سبعين خريفاً) أي: يبقى سبعين سنة يهوي في نار جهنم بسبب الكلمة التي لم يلق لها بالاً.
فبعض الناس تجده يسخر من غيره والناس يضحكون، فهو يضحك الناس ليغضب الله عز وجل عليه، لا تفرح بهذا الشيء؛ لأن الناس الذين يشجعونك سيتبرءون منك يوم القيامة، ولن يدافع عنك إنسان أمام الله سبحانه وتعالى.
إذاً: الواجب عليكم أن تربوا أولادكم على احترام الكبير في السن، في الزمن الماضي كنا نسمع أن الكبير عندما يرى صغيراً يعمل خطأً يأمره بالمعروف وينهاه عن المنكر، أما الآن فكثير من الناس عندما يرى الطفل يخطئ يقول: لا دخل لي به؛ لأن أباه وأمه سيتشاجران معي! لا حول ولا قوة إلا بالله، ضاع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أصبح الصغار يتسافهون على الكبار، هل تنتظر من أمة هذا حالها: لا يحترمون كبارهم ولا يوقرون علماءهم، ولا يحفظون كتاب ربهم ولا سنة نبيهم، هل ينتظر منهم أن يعزهم الله وقد أذل بعضهم بعضاً؟ إن الله عز وجل سيجعل بأسهم بينهم شديداً، ويسلط عليهم غيرهم؛ لبعدهم عن الله وعن سنة رسوله صلوات الله وسلامه عليه.
لذلك على المسلم أن يتعلم ما هو الإسلام؟ وما هي آداب الإسلام التي ينبغي أن تكون بين المسلمين؟ وكيف يتخاطب المرء مع أبيه وأمه؟ تجد بعض الأبناء ينادي أمه باسمها، والأم تضحك وتفرح بأن ابنها يناديها باسمها، أو البنت تناديها باسمها، لكي تحس أنها صغيرة في السن وتصغر نفسها، ولعلها هي تأمر ابنها أو بنتها أن يناديانها أمام الناس باسمها لكي تبدو وكأنها صغيرة السن، وهذه سفاهة وبعد عن دين الله عز وجل، ولا ينتظر من وراء ذلك إلا الدمار.
فعلى الإنسان المؤمن أن يعلم ابنه أن يحترم الكبير، وأن يعلمه كيف يتخاطب مع معلمه؟! لا يعلمه البجاحة، لكن من المؤسف أن تجد من يقول لولده: إن شتمك معلمك فاشتمه، وإن مد يده عليك فمد يدك عليه، فتجد الطفل ينشأ متبجحاً وينشأ سافلاً حتى إن معلمه يقول: إن العلم خسارة فيه، فلن أعلمه ولا يستحق أن يتعلم، فلا هذا يبذل، ولا هذا يحترم ويستحق العلم، ويضيع دين الله عز وجل بينهما.