الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.
قال الإمام النووي رحمه الله: [باب تحريم الظلم والأمر برد المظالم، قال الله تعالى: {مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ} [غافر:18].
وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: (بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إنك تأتي قوماً من أهل الكتاب، فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله قد افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله قد افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم، فإن هم أطاعوا لذلك فإياك وكرائم أموالهم، واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب)، متفق عليه.
هذا الحديث من ضمن مجموعة من الأحاديث التي ذكرها الإمام النووي في هذا الباب، وهو من رياض الصالحين باب تحريم الظلم والأمر برد المظالم.
وذكرنا أن الله تبارك وتعالى قال في الحديث: (يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا).
وهنا في حديث معاذ بن جبل الشاهد منه قول النبي صلى الله عليه وسلم: (واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب).
الحديث فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم أرسل معاذاً إلى أهل اليمن يدعوهم إلى الله سبحانه وتعالى.
وأهل اليمن كانوا من أهل الكتاب، إذ كان أكثرهم يهوداً، فأرسله إليهم يدعوهم إلى الله عز وجل وبين له أنه في البداية لا يدعو هؤلاء إلا إلى شهادة أن لا إله إلا الله، ومعاذ بن جبل رجل أنصاري ومن أعلم الناس بالحلال والحرام رضي الله تبارك وتعالى عنه، بشهادة النبي صلى الله عليه وسلم.
وكان صغير السن يصل إلى سن العشرين وفوقها، ولما أرسله النبي صلى الله عليه وسلم إلى أهل اليمن يدعوهم، قال له: (إنك تأتي قوماً أهل كتاب)، أي: استعد إنك ستدعو أناساً ليسوا من أهل المدينة.
فالمشركون هم أهل جهل وضلال لا يعرفون شيئاً، ولكن أهل الكتاب عندهم آثار من علم وبقية من كتاب، فمن الممكن أن يجادلوك فلابد أن نستعد لذلك، ففي هذا الحديث أن الإنسان حين يدعو إنساناً ينظر من الذي يدعوه ويهيئ نفسه ويستعد لذلك وأنه لا نأخذ الأمر ببساطة وسهولة فليس الناس مثل بعضهم بعضاً.
وإذا كان إنسان يناظر إنساناً فليعرف خصمه أولاً وما مدى قوة علمه، وإلا فلا يعرض نفسه لما لا يعرفه، ولذلك في الحديث يقول النبي صلى الله عليه وسلم له: (إنك تأتي)، أي: احذر فأنت ذاهب إلى قوم هم أهل كتاب، واعرف ماذا تقول لهم، واعرف كيف تدعو هؤلاء إلى دين الله سبحانه وتعالى.