هذه المعاني في حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن أبر البر أن يصل الرجل ود أبيه) وكأنه يقصد من كان أبوه يحبه، فإذا كان أبوك يحب إنساناً وتوفي أبوك فمن البر أن تبر هذا الإنسان، وتبر أهل ود أبيك.
وجاءت قصة هنا يرويها عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: (أن رجلاً من الأعراب لقيه بطريق مكة، فسلم عليه عبد الله بن عمر وهم يرضون باليسير) فالأعرابي متعود على الجو الحار وعلى أقل الأشياء من الأكل بعكس أهل المدن، فالأعرابي يكفيه القليل من الطعام والشراب.
وفي رواية ثانية: كان -أي: عبد الله بن عمر - إذا خرج إلى مكة كان له حمار يتروح عليه.
أي: عندما يسافر إلى مكة كان يركب الجمل، وكان إذا تعب من ركوب الجمل ركب الحمار، فكان الحمار يتروح عليه يعني: يستريح عليه إذا مل ركوب الراحلة، وكان له عمامة يشد بها رأسه.
ولبس العمامة من عادات العرب وهي سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وتضيف جمالاً للإنسان.
فبينما هو يوماً على ذلك الحمار، متوجهاً في طريقه لمكة، مر به أعرابي فقال ابن عمر: ألست فلان ابن فلان؟ والأعرابي لا يعرف ابن عمر، فبعد أن سأله ابن عمر أجاب: بلى.
أي: أنا الذي قلت.
فأعطاه ابن عمر الحمار الذي كان يركب عليه ليستريح من عناء الركوب على الجمل في أثناء الطريق، فقال: اركب هذا، وأعطاه العمامة وقال: اشدد بها رأسك.
فأعطاه العمامة والحمار كذلك.
فقال بعض أصحاب ابن عمر: غفر الله لك! أعطيت هذا الأعرابي حماراً كنت تروح عليه، وعمامة كنت تشد بها رأسك؟ يعني: أنت محتاج لهذين الشيئين.
وفي رواية قالوا: أصلحك الله! إنهم الأعراب وهم يرضون باليسير! يعني: الأعرابي لو أعطيته أقل الحاجات سيفرح بها، فلماذا تعطيه حماراً كاملاً وتعطيه العمامة كاملة.
فقال ابن عمر رضي الله عنه: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن من أبر البر أن يصل الرجل أهل ود أبيه بعد أن يولي) إن من أبر البر، أي: يؤجر كأنه بر أباه.
وفي رواية أخرى: قال: إن أبا هذا كان وداً لـ عمر، يعني: ليس هو الأعرابي الذي كان وداً لـ عمر وكان صديقاً لـ عمر رضي الله عنه، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن أبر البر صلة الرجل أهل ود أبيه).
نتعلم من هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه من البر أن يبر المسلم أصدقاء أبيه في حياته ويبرهم أيضاً بعد وفاة أبيه، وبذلك يحصل الإنسان على أجر بر أبيه.