بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله, اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.
قال الإمام النووي رحمه الله: باب: [تحريم العقوق وقيطعة الرحم.
قال الله تعالى: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ} [محمد:22 - 23].
وقال تعالى: {وَالَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُوْلَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ} [الرعد:25].
وعن أبي بكرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قلنا: بلى يا رسول الله، قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وكان متكئاً فجلس فقال: ألا وقول الزور وشهادة الزور، فما زال يكررها حتى قلنا: ليته سكت) متفق عليه].
يذكر الإمام النووي في هذا الباب الأحاديث الواردة في تحريم العقوق وقطيعة الرحم.
وإن كان قد ذكر في الأبواب السابقة الأمر بصلة الأرحام فإنه هنا سيذكر النهي عن عكس ذلك، والمسلم مأمور أن يصل الأرحام، ويراعي الأقرباء، ومنهي عن أذى أقربائه وقطع الرحم، وعقوق الوالدين، قال الله عز وجل: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ} [محمد:22].
قوله: (هل عسيتم) أي: هل عسى أن تفعلوا ذلك إن توليتم؟ وقوله: (توليتم) إما من التولي، وإما من الولاية، كأن يكون للإنسان نوع من الولايات ويصير ذا شأن في قومه، فهل عسى أنه يغتر فيقطع رحمه وينكرهم بعد ذلك، وقد حصل أن كثيراً من الناس يفعلون ذلك فبمجرد أن يمن عليهم الله سبحانه وتعالى بمنصب أو مال، فما يفتأ الواحد منهم ينسى نفسه وينسى أقرباءه، ويعرض عن أرحامه، وقد يجافي والديه فلا ينظر أباه ولا أمه ولا خاله ولا خالته، كل ذلك بعد أن أغناه الله سبحانه وتعالى.
فالله هو العليم، وهو إذ يكلمنا أعلم بما في قلوبنا حيث يقول: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ} [محمد:22] هل ستفعلون ذلك إن توليتم؟، وعلى المعنى الثاني: يكون الخطاب للصحابة ولمن بعدهم، فإن كان لهم كان المعنى: كنتم أمام النبي صلى الله عليه وسلم تسمعون منه وبعد أن تتولوا عنه أي: تنصرفوا عنه، هل تفعلون ذلك، والمعنى: احذروا، فمن يصنع ذلك ويقطع رحمه ويفسد في الأرض فـ {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ} [محمد:23] أي: طردهم من رحمته سبحانه.
(فأصمهم) أي: عن سماع الخير والهدى، فهم إن كانوا يسمعون كلام الناس إن قيل لهم الحق لا يسمعونه، وإن قيلت لهم الموعظة بالكتاب والسنة فلا يعرفون شيئاً ولا ينتبهون لها.
قوله: ((وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ)) أي: فهم وإن كانوا يرون، ولكن رؤية من لا يعتبر، فمنهم من يرى أمامه الميت وهو غافل عن أنه سيكون يوماً مكانه، فتجده يتكلم في المال، ومتع الدنيا فهو يبصر ولكنه بصر لا يصل إلى قلبه فيعظه بهذا الذي يراه.
وقال تعالى: {الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ} [البقرة:27] أي: كل صلة أمر الله عز وجل بوصلها يقطعونها، فأخبر سبحانه أنهم يقطعون ما أمر الله بوصله، وكذلك يفسدون في الأرض فقال: {وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُوْلَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ} [الرعد:25].
اللعنة: الطرد من رحمة الله، وقوله: ((سُوءُ الدَّارِ))، فالناس يوم القيامة يكونون إما في حسن الدار، وإما في سيئ الدار، سوء الدار، هو نار جهنم والعياذ بالله.