وهذا حديث آخر عظيم يبين فضل الله عز وجل على عباده المؤمنين المواظبين على الصلوات، وأن الذي يصلي له من الله عز وجل المعونة والخير والبركة، فقد روى مسلم عن جندب بن سفيان البجلي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من صلى الصبح فهو في ذمة الله، فانظر يا ابن آدم لا يطلبنك الله من ذمته بشيء).
قوله صلى الله عليه وسلم: (من صلى الصبح)، (من) من ألفاظ العموم، أي: رجلاً كان أو امرأة صلى في المسجد إن استطاع ذلك أو تعذر عليه فصلاها في بيته، أما مع عدم العذر فلا بد أن يصلي مع الجماعة، وأما المرأة فلا يلزمها صلاة الجماعة فتصليها في بيتها، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (فهو في ذمة الله)، أي: له الضمان والعهد عند الله سبحانه أن يدافع عنه، وأن ينتصر له، وينتقم له ممن ظلمه، فاحذر أن تظلم أحداً يحافظ على صلاة الفجر، وإذا ظلمته فإن الله كيده متين يملي للظالم، ولا تغتر بأنك تصلي الفجر؛ فإن الله عز وجل ينتصر للمظلوم من ظالمه وإن كان يصلي الفجر.
يقول صلى الله عليه وسلم في رواية أخرى في صحيح مسلم: (فلا يطلبنكم الله من ذمته بشيء؛ فإنه من يطلبه الله من ذمته بشيء يدركه، ثم يكبه على وجهه في النار)، إن الظالم -وخاصة الذي يظلم من يصلي الفجر- يملي الله له إلى أن يأخذه، فإذا أخذه لم يفلته، بل يجعله عبرة للخلق، هذا في الدنيا، أما في الآخرة فيكبه الله في النار، أي: يدخله نار جهنم.
فعلى الإنسان أن يكون من المصلين الذين تنهاهم صلاتهم عن الفحشاء والمنكر، وتدفعهم إلى عمل الخير، أما أن يصلي ثم يذهب إلى عمله فيمد يده للناس ويأخذ الرشوة ويأكل الحرام ويظلم الخلق فهذا ليس المصلي الذي ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أنه في ذمة الله، وصلاته ليست التي ذكرها الله في قوله: {إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [العنكبوت:45]؛ لأنه لا بد أن يظهر أثر هذه الصلاة على فعل العبد وذلك بأن يتقن عمله ويحسن إلى الخلق، ويفعل الخير، ويمتنع من الشر، ويجتنب الفواحش والمعاصي.