قال صلى الله عليه وسلم: (ولو يعلمون ما في العتمة -أي: صلاة العشاء- والصبح لأتوهما ولو حبواً)، مر فضل صلاة الظهر، وهذا الفضل لصلاة العشاء وصلاة الصبح، فقال: لو يعلمون فضلهما لأتوهما ولو حبواً، فلو أن الإنسان لا يقدر أن يذهب ماشياً على رجليه مشى حبواً على الأرض، مع أن هذا الذي يحبو لا تجب عليه الصلاة جماعة، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم يخبره أن فيهما فضيلة عظيمة لو يعلمها لتناسى الإنسان مرضه معها، وإن كان ليس على المريض حرج، كما قال تعالى: {لَيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ وَلا عَلَى الأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ} [النور:61]، ولكنه الحث على أن تدرك الجماعة ولا تفوتها إلا إذا كان العذر يمنعك من ذلك.
وقوله: (لو يعلمون ما في العتمة)، أي: صلاة العشاء، والمعنى: كم يكون فيها من الثواب والفضل! ومثلها الصبح، وخاصة إذا جاء يوم القيامة وجد أن أكثر ما ينير له ظلمات يوم القيامة صلاة الصبح والعشاء في جماعة، قال النبي صلى الله عليه وسلم مخبراً عن النور الذي تمنحه صلاة الفجر وصلاة العشاء (بشر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة)، ما ذهب مرة لصلاة الفجر فحسب بل هو مشاء أي: كثير المشي والذهاب إلى بيت الله عز وجل في صلاة الفجر، لا يمنعه حر في الصيف، ولا برد في الشتاء، ولا مطر ولا شدة رياح، فلا يمنعه شيء عن أن يصلي جماعة في بيت الله عز وجل، فلهذا يقول: أبشر فلك نور تام يوم القيامة، ومن الناس من يكون له نور على قدره، فبعضهم له نور يخفت مرة ويزيد أخرى وينطفئ ثالثة، لكن هذا المواظب على صلاة الفجر والعشاء في الجماعة له النور التام يوم القيامة، نسأل الله عز وجل أن ينير لنا الطريق في الدنيا والآخرة.
وقد تفسر كلمة الهجير والتهجير بمعنى التبكير، فتشمل كل الصلوات، والمعنى: لو تعلمون ما فضيلة التبكير إلى جميع الصلوات لأتيتم الصلاة مبكرين، وخاصة ما ذكرنا قبل ذلك في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم فيمن صلى لله عز وجل في جماعة أربعين يوماً يدرك تكبيرة الإحرام، أنه تكتب له براءتان: براءة من النار، وبراءة من النفاق.