عظمة آية الكرسي وبعض ما ورد في ذلك

عندما تقرأ: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [البقرة:255] استحضر هذه المعاني لتعرف شيئاً من عظمة الله الخالق سبحانه وتعالى، ولذلك كانت هذه الآية -آية الكرسي- أعظم آية في كتاب الله سبحانه وتعالى.

قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ليهنك العلم أبا المنذر) يعني: حين علم أن هذه الآية أعظم آية في كتاب الله سبحانه.

وهي آية من سورة البقرة، وبعض الناس يقول: سورة الكرسي! وهذا خطأ؛ فإنه لا توجد سورة الكرسي ولكن آية الكرسي، وهي آية من سورة البقرة، وسورة البقرة من أعظم سور كتاب الله سبحانه، ونص النبي صلى الله عليه وسلم على أن أعظم منها سورة الفاتحة.

وهذه من رحمة رب العالمين، فلو كانت أعظم سورة في القرآن سورة البقرة لكان كل إنسان يحاول أن يحفظ هذه السورة التي هي أعظم سورة، ولكن الله عز وجل يسر القرآن للذكر، ومن رحمته سبحانه أن جعل أعظم سورة في متناول الجميع، فالكل يقدر أن يحفظ سورة الفاتحة، فهي سبع آيات من كتاب الله عز وجل، فجعل الفاتحة أعظم آية في كتابه سبحانه وتعالى.

من الأحاديث التي جاءت في فضل آية الكرسي قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من قرأ آية الكرسي دبر كل صلاة لم يمنعه من دخول الجنة إلا أن يموت).

فإذا قرأت عقب كل صلاة فريضة آية الكرسي فأبشر فنهايتك ستكون نهاية خير، فليحرص المؤمن على أن يقرأها، وكثير من الناس يضيعونها، فينشغل بعد الصلاة بأي شيء، مثل السلام مع من بجانبه، وينسى أن يقرأ آية الكرسي، فاحرص على أن تقرأها دبر كل صلاة كما ذكر النبي صلوات الله وسلامه عليه.

روى الإمام البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: (وكلني رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفظ زكاة رمضان، فأتاني آت فجعل يحثو من الطعام، فأخذته فقلت: لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: إني محتاج ولي عيال وبي حاجة شديدة، فخليت عنه، فأصبحت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أبا هريرة! ما فعل أسيرك البارحة؟ قلت: يا رسول الله! شكا حاجةً وعيالاً فرحمته فخليت سبيله).

أبو هريرة أن يمسكه ليسلمه للنبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه يسرق من مال الزكاة، وعرف أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (تعافوا الحدود فيما بينكم، فأيما حد بلغني أقمته)، فمن حال بينه وبين إقامة الحد فلعن الله الشافع والمشفع، فيجوز أن يتنازل يتنازل قبل أن يصل أمره إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا وصل اللص إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيلزم أن يقيم عليه الحد، ولا يجوز الشفاعة في ذلك، فكأن أبا هريرة وجد أن هذا جاء ليسرق فما تمكن من السرقة، وشكا حاجة وعيالاً، فتركه أبو هريرة رضي الله تبارك وتعالى عنه، لكن الوحي جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأخبره بذلك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لـ أبي هريرة: (أما إنه قد كذبك وسيعود)، أي: خدعك وسيرجع مرةً ثانية، قال: (فعرفت أنه سيرجع) وذلك لخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: (فرصدته فجاء يحثو من الطعام، فأخذته فقلت: لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: دعني فإني محتاج ولي عيال لا أعود، قال: فرحمته فخليت سبيله، فأصبحت فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أبا هريرة! ما فعل أسيرك البارحة؟ فقلت: شكا حاجةً وعيالاً فرحمته فخليت سبيله.

فقال: إنه قد كذبك وسيعود، قال: فرصدته في الثالثة فجاء يحثو من الطعام فأخذته فقلت: لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، إنك تزعم أنك لا تعود ثم تعود! فقال: دعني فإني أعلمك كلمات ينفعك الله بها.

قلت: ما هن؟) وكانوا أحرص شيء على الخير رضي الله عنهم؛ ولذلك لم يلم النبي صلى الله عليه وسلم أبا هريرة رضي الله عنه عندما تركه في المرة الأولى وفي المرة الثانية، والنبي صلى الله عليه وسلم عرف أن الله عز وجل كما يظهر الحق على لسان النبي صلى الله عليه وسلم قد يظهر الحق على لسان شيطان، حتى يزداد الصحابة إيماناً بما قاله النبي صلوات الله وسلامه عليه.

فهنا قال: (إني أعلمك كلمات ينفعك الله بها.

قال: قلت: ما هن؟ قال: إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي فإنه لن يزال عليك من الله حافظ، ولا يقربك شيطان حتى تصبح)، تقرأ هذه الآية وأنت تتأملها، وأنت تفهم معناها، وأنت تثق في الله سبحانه وتعالى أنه سيحفظك بها.

فلما قال ذلك فـ أبو هريرة رضي الله عنه انتفع فتركه وخلى سبيله، قال: (فأصبحت، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما فعل أسيرك البارحة؟ قلت: يا رسول الله! زعم أنه يعلمني كلمات ينفعني الله بها فخليت سبيله، قال: ما هي؟ -وهو أعلم صلوات الله وسلامه عليه- فقال: قلت: قال لي: إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي من أولها حتى تختم الآية: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [البقرة:255] وقال لي: لا يزال عليك من الله حافظ، ولن يقربك شيطان حتى تصبح، قال النبي صلى الله عليه وسلم: أما إنه قد صدقك وهو كذوب، تعلم من تخاطب منذ ثلاث يا أبا هريرة؟ قال: قلت: لا، قال: ذاك شيطان).

نأخذ من ذلك أن المؤمن لا يفرط أبداً في أن يحفظ آية الكرسي، وأن يحفظها عياله الصغار والكبار، ولذلك كان الصحابة يحفظونها، وكانوا يحفظونها لأولادهم، وكان عبد الله بن عمرو بن العاص يحفظها ويحفظها لأولاده ممن يقدر أن يحفظ، ومن لا يحفظ يكتبها له، ويعلقها على رقبته، ولعله يفعل ذلك ليحفظها أو ليكتبها حتى تكون في رقبة هذا الذي يكتبها له، فأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عرفوا فضلها فحفظوا هذه الآية العظيمة، وحفظوها لأولادهم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015