قال رحمه الله: [السبب السادس: عدم معرفته بدلالة الحديث، تارة لكون اللفظ الذي في الحديث غريباًَ عنده، مثل لفظ (المزابنة) و (المخابرة) و (المحاقلة) و (الملامسة) و (المنابذة) و (الغرر) إلى غير ذلك من الكلمات الغريبة التي قد يختلف العلماء في تفسيرها].
وإن كان وجود هذا السبب نادراً عند الأئمة؛ لأن عامة الحروف والكلمات هي معلومة عند الأئمة، لكن قد يعرض لهم ما هو من ذلك، وإلا فإن هذه الكلمات وإن كانت من غريب الحديث في الاصطلاح؛ كالمزابنة، والمحاقلة، والمنابذة، والملامسة، وهي في مسائل المعاملات ومسائل المزارعة ونحوها، إلا أن عامة الأئمة لا يخفى عليهم مثل ذلك، لكن قد يعرض عليهم هذا الأمر، فهو من أضيق الأسباب إذا ما اعتبر بحال الفقهاء، أما إذا ما اعتبر بحال من دون الفقهاء فهذا باب آخر.
لكن الذي هو واقع أن بعض الحروف الغريبة في الاصطلاح هي في سياق كلام العرب من الألفاظ المشتركة، بمعنى: أنه قد يفسر بمعانٍ قد تكون مختلفة وقد لا تكون متضادة أو متناقضة، وهذا هو الذي حصل في مثل هذه الحروف، فإذا كانت الكلمة أو الحرف مشتركاً فإنه قد يختلف فيه الفقهاء، ويكون من أسباب الخلاف: أن الحرف الذي ورد به النهي أو وردت به الإباحة حرف مشترك، فيحتمل معاني ليست متضادة ولكنها مختلفة، ومن هنا نجد أن الخلاف يقع ويحدث.
مثال ذلك: زواج الشغار؛ فإن هذا من حيث هو حرف فيه اشتراك واضح، وهو أن يزوج الرجل موليته على أن يزوجه الآخر موليته، وليس بينهما صداق، فهل الشغار هو التعاقد بالنية الشرطية على أن يزوج رجل موليته برجل آخر مقابل أن يزوجه الآخر موليته، أم لا بد أن يقال: وليس بينهما صداق، فإن كان بينهما صداق فليس شغاراً؟ هذا محل تردد عند الفقهاء؛ لأنهم لم يختلفوا في أن الشغار منهي عنه، ولكن اختلفوا في صيغته وحده؛ لأن لفظه فيه اشتراك.
والتعبير بالمشترك أوسع وأدق من التعبير بالمجمل؛ لأن المجمل شأنه بين، فإنه يبينه المفصل، لكن المشترك في الغالب يرجع إلى فقه الألفاظ في حدود اللغة العربية.