وهنا مثال آخر: فمن الحقائق القرآنية المقررة في كتاب الله عز وجل أن كفار قريش يقرون بالربوبية، كما هو نص الآية: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [الزمر:38]، فهذا نص واضح في أن كفار قريش يقرون بالربوبية كما دلت عليه هذه الآية، فجاء من يسمى بالسيد محمد علوي المالكي فقال: إن كفار قريش ما كانوا يقرون بالربوبية، فلما اعترض عليه بهذه الآية، قال: كفار قريش كانوا يكذبون!
و صلى الله عليه وسلم هل الله عز وجل لا يعرف أنهم يكذبون؟! ولماذا لم يقل: قالوا هذا القول وهم كذبة؟! فالمهم هو اللعب بالنصوص، وهذا أحرجه نص فأراد أن يخرجه في أي واد من الأودية، فالمهم ألا يُحرج في عقيدته التي يدندن حولها ويدافع عنها.
وهكذا عامة أهل البدع، وهذه طريقتهم، لا يقيمون وزناً للنصوص الشرعية؛ لأنها ليست هي المنطلق التي بنيت عليه العقائد عندهم، وإنما المنطلق: الأهواء، ثم بعد ذلك إذا أحرجوا بالنصوص يختلفون في كيفية تخريجها واللعب بها، فبعضهم يردها مطلقاً، وبعضهم يفسرها تفسيراً أعوج، وبعضهم يحاول أن يجتهد في محاولة تحريفها وإخراجها بأي مخرج من المخارج.
إذاً: ليس الهدف الأساسي هو العمل بالنصوص, وليس المنطلق الأساسي أن العقيدة تكون مبنية على ما أخبرنا الله به في كتابه وأخبرنا به رسوله صلى الله عليه وسلم، وإنما هي عقيدة وراثية مأخوذة عن أجيال سابقة، فإذا أحرج دافع عنها كما هو الحال عند هؤلاء، وهكذا عباد القبور الذين يطوفون حولها، ويذبحون لها، وينذرون لها، ويستغيثون بها عندما يستدل عليهم بقول الله عز وجل: {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ} [الزمر:38]، يقولون: المقصود بالدعاء هنا العبادة، يعني: لا ما تعبدوهم وتصلوا لهم! مع أن الآية في الدعاء، والدعاء يشمل الاستغاثة، فيشمل قولهم: (مدد يا عبد القادر)، (مدد يا عيدروس)، مدد يا ست زينب)، يشمل هذا كله، وليس هناك مبرر لأن تحذف الآية هذا الحذف وأن تلغي منها نصف الدلالة تقريباً.
إذاً: اللعب بالنصوص بهذا الأسلوب هو طريقة أهل البدع، والسبب في ذلك هو تقديم أهوائهم وقياساتهم العقلية على النصوص الشرعية.