الآن بعض طلاب العلم ممن له يد في الصناعة الحديثية تجده مغرم بالغرائب، ويترك الأحاديث المشهورة، تجد عنايته بفوائد فلان، وجزء فلان ومشيخة فلان، ومعجم فلان، وهو لا يعرف من أحاديث البخاري شيئاً، ولا يعرف أحاديث مسلم شيئاً، ولا يعرف من أحاديث الكتب المشهورة شيئاً، فتجده مغرم بالغرائب، سواء كانت من الأحاديث أو من الكتب، فعناية بعض طلاب العلم بفوائد فلان، العلماء يكتبون فوائد من مروياتهم، وأيضاً يكتبون مشيخات، ويكتبون معاجم، فتجد بعض طلاب العلم له نهم بهذه الأمور التي يستغربها الناس، بحيث إذا أخرجها أو حدث بها فتن به الناس، والغرائب إنما يستعمل أكثرها القصاص؛ لأنها لا تدور كثيراً في مجالس الناس، أما الكتب المشهورة يعني لو قام شخص وحدث بأحاديث من أحاديث البخاري، أو من أحاديث الأربعين النووية، أو من أحاديث رياض الصالحين، لكثرة ما يسمعها الناس ما يستغربون، لكن لو جاء بنوادر الأصول للحكيم الترمذي وحدث منه، تجد الأنظار كلها مشدودة، والناس يميلون لمثل هذا الصنف مما يجذب الناس.
"فأما الحديث المشهور المتصل الصحيح فليس يقدر أحد أن يرده عليك" إلا جاهل لا يدري أنه صحيح، أو ليست له يد في الحديث، بحيث لا يفرق بين ما في صحيح البخاري، أو ما في نوادر الأصول، أو في معاجم الطبراني أو غيرها.
"وقال إبراهيم النخعي: كانوا يكرهون الغريب من الحديث" لأن التفرد مظنة للغلط، والجمع أولى بالحفظ من الواحد، فإذا تفرد واحد بالخبر مظنة أن يخطئ فيه، لكن إذا وافقه عليه جمع من الرواة فإنه يؤمن منه هذا الغلط "وقال يزيد بن أبي حبيب: إذا سمعت الحديث فانشده كما تنشد الضالة فإن عرف وإلا فدعه" تسمع حديث لأول مرة تستغرب، يقول: لا تستعجل اسأل عنه أهل العلم أنشده بينهم، من يعرف هذا الحديث يا علماء؟ فإذا عرفوه كان كالضالة إذا نشد وعرفت، أما إذا لم يعرفوه فاعلم أنه غريب لا يعرفه إلا القليل من الناس، وغالب الغرائب فيها ضعف؛ لأنها لم تلكها الألسنة، ولم تتداولها أقلام العلماء بالنقد وغيره "فإن عرف الحديث فاقبله وإلا فدعه".