"وإذا نظر فيه وتدبره وتفهمه حينئذٍ يعلم مقداره، وأما هذه المسائل" والأحكام والفتاوى للأئمة المجتهدين مثل "الثوري ومالك والشافعي" يُسأل الإمام مالك فيفتي، ويسئل الثوري وله مذهب مستقل فيفتي، وله أتباع، الثوري كمالك والشافعي إلا أنه انقرض، انقرض مذهبه، هؤلاء الأئمة المجتهدون يفتون، فأصول هذه المسائل في سنن أبي داود، لا سيما إذا كانت الفتاوى في الأحكام، فأصولها في مسائل أبي داود، يستفاد منها، ويعول عليها، ولا يحتاج على غيرها إلا نادراً على كلامه.

"ويعجبني أن يكتب الرجل مع هذه الكتب من رأي أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-" يعني لا يقصر على المرفوع، فيكتب مع المرفوعات أحاديث ما ينسب إلى الصحابة -رضوان الله عليهم- من الموقوفات؛ لأنها عند جمع من أهل العلم حجة كالمرفوع، ومنهم من يرى أنها ليست بحجة، لكن يحتاج إليها في فهم المرفوع، ويعرف قدر هذا الكلام من ينظر في صحيح البخاري إذا ترجم بكلام خفي غامض قد يكون الربط بينه وبين ما ترجم عليه من حديث مرفوع فيه خفاء، لكنه يردف الترجمة بأقوال الصحابة والتابعين مما يترجح به ما ترجم به، وأخذه من ما ترجم عليه، فأقوال الصحابة والتابعين يستعان بها على فهم الأخبار المرفوعة عند من لا يحتج بها، أما من يحتج بها فالأمر ظاهر.

"ويكتب أيضاً مثل جامع سفيان الثوري، فإنه أحسن ما وضع الناس من الجوامع" والمراد بالجامع الكتاب الذي يحتوي على جميع أبواب الدين، فتجد فيه التوحيد والإيمان، وتجد فيه الطهارة والصلاة والزكاة والحج والصيام والجهاد، وتجد فيه المعاملات، وتجد فيه المغازي والسير والأقضية، وتجد فيه أيضاً الأدب، وتجد فيه الرقاق والمواعظ وغير ذلك من الأبواب التي يحتاجها طالب العلم، هذا الكتاب يسمى جامع؛ لأنه يجمع جميع أبواب الدين، ومن الجوامع صحيح البخاري، وصحيح مسلم، وجامع الترمذي، وجامع سفيان وغيرها من الجوامع، بخلاف السنن التي تختص بأحاديث الأحكام، بخلاف المصنفات التي يجتمع فيها كثير من الآثار، وتغطي على الأخبار المرفوعة إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، وأيضاً الموطآت التي هي مشبهة للسنن من جهة، ومشبهة للمصنفات من جهة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015