قال أبن فورجة يقول أنت إذا حزنت على هالك فإنما حزنت حفاظا منك لوده وصحبته ووفاء له والحفاظ والوفاء مما يدعو غليه العقل وغيرك يحزن ذعرا من ألم الفراق وجبنا منه وجهلا من غير معرفة بالسبب الموجب للحزن هذا كلامه وتفسير الحفظ على ما ذكره وأما تفسير العقل والذعر والجهل فلم يصب فيه والوجه أن يقال أراد بالعقل الاعتبار بمن مضى فأن العاقل إنما يحزن على الميت اعتبارا به وعلما أنه عن قريب سيتبعه على أثره وحزن غير العاقل يكون ذعرا من الموت وهو جهل لأنه ميت لا محالة وإن حزن
قال أبن جنى تجره تصحبه وتحمل ثقله وروى ابن فورجة يجره بالياء وهو الصواب والمعنى لك ألف يجر هذا الحزن ويجنيه عليك ثم ذكر أن الألف من كرم الأصل وأن الكريم ألوف وإذا كان الوفا حزن على فراق من ألفه
يروى فيه قديما يقول لك وفاء نشأت عليه فلا تعرف غير الوفاء للأحباب وقوله ولكن هو استثناء معروف على مذهب العرب يقولون فلان شريف غير أنه سخي قال أحمد بن يحيى هذا استثناء قيس وأنشد، فتى كملت أخلاقه غير أنه، جواد فما يبقى من المال باقيا،
ويروى عندي لدمع يريد أن الدمع الذي سببه رعاية العهد هو خير الدموع عونا على الحزن والمصيبة وذلك أن الدمع يخفف برح الوجد كما قال ذو الرمة، لعل انحدار الدمع يعقب راحة، من الوجد أو يشفى نجي البلابل، روى أبن جنى عينا قال وهو منصوب على التمييز كقولك أن أحسن الناس وجها لزيد والمعنى أن عينه خير الأعين لأن موجب دمعه حتى استهل وفاض الرعاية والحفاظ
أي هذه الرقة والرحمة التي نشاهدها منك أين هي في الحرب إذا أكره الحديد على الضرب وصل بقرع بعضه بعضا ويجوز أن يكون المعنى إذا استكره ضرب الحديد وقد نظر في هذا إلى قول لبيد، كل حرباء إذا أكره صل، والمعنى من قول البحتري، لم يكن قلبك الرقيق رقيقا، لا ولا وجهك المصون مصونا،
وروى ابن جنى أين غادرتها يقول أين تركت رقتك يوم الحرب إذ طلبت الرؤوس بالسيوف من جميع الجهات كالفالي يتبع كل موضع من الرأس ويروى تقلى أين يرمى بها كالقلة
المنون المنية والمنون الدهر ويجوز تذكيره وتأنيثه يقول قاسمك الموت أو الزمان شخصين يعني أختيه فاذهب إحداهما وترك الأخرى وكانت هذه المقاسمة جورا لأنه كان من حقك أن يتركهما عندك ولكن هذا الجور عدل فيك حيث تركك حيا وكانت المقاسمة معك في الأختين والمعنى إذا كنت أنت البقية فالجور عدل هذا إذا نصبت القسم وجعلت الفعل للجور وروى قوم جعل القسم نفسه فيه عدلا في الجور لأنه وإن كان أخذ الصغرى فقد ترك الكبرى ويدل على صحة هذا قوله
أغدرن تركن مثل غادرن
يعني حين بقيت الكبرى
يقال انتاشه من صرعته إذا نعشه يقول كم نعشت ونصرت أسيرا للزمان بسيفك فاستنقذته من الأسر وكم من مقل عديم نصرته بنوالك وجبرته على كره الزمان
أي عد الزمان أفعالك نصرة عليه ومراغمة له فلما صال على أختك رأى نفسه قد أدرك تبلا لأنه حقد عليك ما فعلته وقوله رآه الضمير يعود على الدهر كقوله تعالى أن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى
يقول ليس كما ظن الزمان أنه أدرك منك تبلا لأنك تبلى الزمان وتبقى أنت وإذا كان الأمر كذلك لم يقدر الزمان على ادراك الثأر منك