هذا الكلام تهكمٌ وسخريةٌ، وفي طريقته قول الآخر:
وأما أخو قرطٍ فلست بساخرٍ ... فقولا ألا يا اسلم بمرة سالما
قال هذا ومرة معرض لكل بلاء. أن يفعل موضعه رفعٌ على البدل من قوله وتلك منه. والمعنى تلك الخصلة لا يؤمن وقوعها من عمروٍ، وهو فعله لما يقوله.
الرمح لا أملأ كفي به ... واللبد لا اتبع تزواله
هذا التمدح منه تعريضٌ بخصمه وإزراءٌ بفروسيته، وإشارةٌ إلى أن أضداد هذه الأوصاف مجتمعة فيه. فيجوز أن يكون المعنى: إني لا أقتصر من تعاطي أنواع السلاح على الرمح فقط، ولكني أجمع في الاستعمال بينها. وهذا كما يقال: ملأ كفه من كذا فليس فيه موضعٌ لغيره. ويجوز أن يكون المعنى: إني أستعمل رمحي بأطراف أصابعي لحذقي واقتداري، ولا آخذه بجميع كفي. وهذا كما يقال: أقبصه ولا أقبضه؛ لأن القبص: الأخذ بأطراف الأصابع، والقبض بالكف كلها. ومثله قول الآخر:
لبيقاً بتصريف القناة بنانيا
وقوله: واللبد لا أتبع تزواله أراد: ألزم ظهر دابتي، وإن مال اللبد لم أمل معه. وهذا كما قال أبو النجم:
أدرك عقلاً والرهان عمله ... ثقفٌ أعاليه وقارٌ أسفله
أي كأنه يلصق الأسفل بظهر الفرس فلا يزول ولا يميل.
والدرع لا أبغي بها ثروةً ... كل امرئٍ مستودعٌ ماله
لولا أن قصده في التمدح إلى التعريض بالمختبر عنه لكان لا معنى لهذا الكلام. ألا ترى أن قوله: والدرع لا أبغي بها ثروة وقد فسر على أنه يجوز أن يكون المراد: لا أقتني الدرع لكي أتجر فيها فأتمول. وترك التجارة في الأسلحة ليس فيه