رواه بعضهم: فإن تزعموا أنا ظلمنا. والزعم في دفع الدعوى أبلغ، وإنما نبه بهذا الكلام على أنه لا يعد ما عوملوا به ظلماً، مع كون ابتدائه منهم، وإن كان فيه سرفٌ. فيقول: إن ادعيتم علينا أنا ظلمناكم فإنا لم نظلمكم، مع عدوانكم، وسبقكم إلى الشر وتهييجه، ولكنا أسأنا في تقاضيكم الحق، وإيفائكم الجزاء، حين استخرجنا بالعنف والقهر، ومجاوزة الأدنى من الأمرين إلى الأقصى. فكأنه سمى ما عده أولئك ظلماً سوء تقاضٍ. والظلم قيل فيه: إنه وضع الشيء في غير موضعه، ولذلك قيل للأرض الصلبة إذا حفرت: مظلومةٌ، وللسقاء إذا تنوول ما فيه قبل إدراكه: ظليمٌ. وقيل: الظلم: انتقاص الحق. قوله فلم نكن ظلمنا إذا كان من حكم الجواب أن يكون طبقاً للابتداء ومبنياً عليه، فمن الواجب عليه كان أن يقول: فإن قلتم إنا كنا ظلمنا. ألا ترى أنا نقول في قول الله تعالى: " وما كان الله ليعذبهم " إنه كان جواب قائلٍ قال كان الله سيعذبهم. فنفى على حد الابتداء وطريقته، ولكن الشاعر حذف من الابتداء كنا، لأن ما في الجواب يدل عليه.

وداك بن نميل المازني

قال البرقي هو وداك بن سنان ين نميلٍ:

رويد بني شيبان بعض وعيدكم ... تلاقوا عداً خيلي على سفوان

رويداً: تصغير إروادٍ، وهو مصدر أرودت فلاناً، على طريق الترخيم، وانتصابه بفعلٍ مضمرٍ دل عليه لفظه. وأكثر ما يجيء تصغير الترخيم يجيء في الأعلام، وقد يجعل رويداً اسماً لارفق، فيبنى حينئذ كما يبنى أخواته من أسماء الأفعال على ذلك ما جاء في المثل من قولهم: رويد يعلون الجدد. وقد تزاد كاف الخطاب عليه فيقال: رويدك، على ذلك قولهم: رويدك الشعر يغب وقوله: بعض وعيدكم انتصب بفعلٍ مضمرٍ دل عليه رويد، لأن مع استعمال الرفق كفاً عن بعض الوعيد، فكأنه لما قال أرودوا يا بني شيبان قال: كفوا بعض الوعيد. وهذا تهكمٌ وسخريةٌ. وقوله: تلاقوا، الجزم على أنه جوابٌ للأمر الذي دل عليه رويداً. وإنما جعل للأمر الجواب لأنه ضمن معنى الجزاء والشرط. وسفوان: اسم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015