وفتيان صدق لست مطلع بعضهم ... على سر بعض غير أتى جماعها
قوله: (وفتيان صدق) أضاف الفتيان إلى الصدق، كما يقال فتيان خير. والمعنى أنهم يصدقون في الود ولا يخونون. وقال الخليل: يقال رجل سوء وإذا عرفت قلت الرجل السوء، ولم تضف، بل تحعله نعتاً. وتقول: عمل سوء وعمل السوء، وقول صدق وقول الصدق، ولا تقل الرجل الصدق، لأن الرجل ليس من الصدق.
فيقول: رب فتيان هكذا استناموا إلي واستودعوني أسرارهم، فكنت أنا نظامها لا يفوتني من خبيثات صدورهم شيء، ثم أردت كلاً منهم بالوفاء له، وكتمان ماأودعني من سره، ولا أطلع بعضهم على ما يستكتمني البعض الآخر، بل أصونه من الإذاعة، وأحفظه من النشر بالطي والصيانة. وذاك لأن حفظ السر يجري مجرى أداء الأمانات، فهو في الدين والدنيا مأخوذ به ومبعوث عليه. وقوله (جماعها) هو كما يقال نظام، لأن النظام اسم لما ينظم به الشيء فهو كالوثائق والرباط، وكذلك الجماع: اسم لما يجمع به الشيء. والضمير من جماعها يرجع إلى الفتيان، ويجوز أن يرجع إلى ما دل عليه الكلام من ذكر الأسرار. وانتصب (غير) على أنه استثناء منقطع.
لكل امرىء شعب من القلب فارغ ... وموضع نجوى لا يرام اطلاعها