مثله. وكما كان يقال في الرفيع الشأن العالي القدر: هو في النجم وهو في السكاك، وكان قصده في الفرع أنه مديدٌ حتى اتصل بالنجم، زاده صفةً فقال طويل. وقد طابق الرسو بالسمو، كما قابل الأصل بالفرع. ونقله أبو تمامٍ فقال:

لنا نبعةٌ فرعها في السماء ... وفي هامة الحوت أعراقها

وإنا لقومٌ ما نرى القتل سبةً ... إذا ما رأته عامرٌ وسلول

كان وجه الكلام أن يقول: ما يرون القتل سبةً، حتى يرجع الضمير من صفة القوم إليه ولا تعرى منه، لكنه لما علم أن المراد بالقوم هم قال: ما نرى. وقد جاء في الصلة مثل هذا، وهو فيه أفظع، قال:

أنا الذي سمتن أمي حيدره

والوجه سمته حتى لا يعرى الصلة من ضمير الموصول. قال أبو عثمان المازني: لولا صحة مورده وتكرره لرددته. فضل عشيرته في الصبر على الموت، والثبات في الحرب على عامرٍ وسلول، وهما قبيلتان. فيقول: إذا حسب هؤلاء القتل والقتال عاراً ومنقصةً عدهما عشيرتي فخراً ومكرمةً. والسبة: ما يسب به، كما أن الخدعة ما يخدع به. وأصل السب: القطع، ثم استعمل في الشتم. وهذا كما يقال: فلانٌ يقطع أعراض الناس. وقوله: ما نرى أي لا نجعل ذلك مذهباً.

يقرب حب الموت آجالنا لنا ... وتكرهه آجالهم فتطول

قوله: يقرب حب الموت أي حبنا للموت. وجعل في مقابلته: وتكرهه آجالهم لأنه يشتمل على ما يوفيها حقها من اللفظ. وإن كانت من حيث المعنى قد حصلت: ويبعد بغضهم إياه آجالهم. ويكون الشاعر ملماً في المصراع الأول بقول الآخر:

رأيت الكريم الحر ليس له عمر

لأنه يشير إلى أنهم يعتبطون لاقتحامهم المنايا، وحرصهم على ملابسة الحروب، وأن أولئك يعمرون لمجانبتهم الشرور، وزهدهم في مجاذبة العدو. ويجوز

طور بواسطة نورين ميديا © 2015