وإذا دعت قمريةٌ شجناً لها ... يوماً على فننٍ دعوت صباحي
وأغض من بصري وأعلم أنه ... قد بان حد فوارسي ورماحي
قوله وإذا دعت قمرية شجناً كلامٌ أخرج على ما في اعتقادهم من بكاء الحمام، فيقول: إذا ناحت حمامةٌ على غصنٍ وهي تدعو حزنها ليهتاج بكاؤها ويمتد صوتها، فإني أشجي لصوتها وأجاوبها داعياً صباحي، أي قائلاً: وا صباحاه! وقوله وأغض من بصري غض الطرف من فعل الذليل المخزل، كما أن طموحه فعل العزيز الناظر من فوق. فيقول: إني عارفٌ بمقداري بعدك، ومتيقن نكوصي وسقوط حشمتي بذهابك، وكلة حدي وحد أصحابي لفقدانك، فأغمض عيني في كثيرٍ مما يجري علي وألابسه، مخافة أن أرى ما هو أكبر منه. وقوله وأعلم أنه الضمير ضمير الأمر والشأن. يريد: وأعلم أن الأمر انفلال فرساني، وتفلل أسنة رماحي. وهذا مثلٌ لسقوط القوى واستعلاء العدي، وذهاب العدة وتراجع العدة. ولا يمتنع أن يريد بحد فوارسي نفس المفقود، جعله لفرسانه حداً إذا كان مقدامهم ومدرههم، ولرماحه سناناً إذ كانت تعمل بقوته، وتنفذ بصرامته.
إخوتي لا تبعدوا أبداً ... وبلى والله قد بعدوا
ولو تملتهم عشيرتهم ... لاقتناء العز أو ولد
هان من بعض الرزيئة أو ... هان من بعض الذي أجد
كل ما حيٍ وإن أمروا ... واردو الحوض الذي وردوا
لك أن تروي إخوتي وأخوتاً. فمن روى إخوتي فإنه يسكن الياء وأصله الحركة، لكونه علامة الضمير متطرفاً على حرفٍ واحدٍ فوجب تقويته بالتحريك كما كان سبيل أختيه الكاف والهاء لو وقعا موقعه، لكنهم آثروا الفتحة لخفتها، ويدل على أن الأصل الفتحة أنه لو كان ما قبله ساكناً كان لا يجيء إلا مفتوحاً. وذلك قولك رحاي وعصاي، إلا أنه لما كان باب النداء باب حذفٍ وإيجاز، لكثرة استعمالهم له،