نفرت قلوصي من حجارة حرةٍ ... بنيت على طلق اليدين وهوب

قوله لا يبعدن لفظه لفظ الدعاء، والكلام فيه على ما تقدم. وكما قيل: بعداً له وسحقاً لم يقل من بعد بعداً إذا هلك بعداً له، وكان استعمال هذا في الدعاء أقرب فلم يجيء. ومعنى وسقى الغوادي قبره بذنوب أنه دعا له بالسقيا. والغوادي هي السحابات التي تنشأ غدوةً. والذنوب: الدلو بما فيه من الماء، قال:

له ذنوبٌ ولنا ذنوب

وربما جعل الذنوب الحظ النصيب، كما قال:

وحق لشأسٍ من نداك ذنوب

وفي القرآن: " فإن للذين ظلموا ذنوباً مثل ذنوب أصحابهم ". وفي البيت الذي نحن فيه يحتمل الوجهين.

وقوله نفرت قلوصي من حجارة حرةٍ فإنه كان اجتاز بقبر ربيعة وقد نضد عليه حجارةٌ سود، فنفرت قلوصه، فأخذ يقتص ما كان اتفق وينكره. وقوله بنيت على طلق اليدين من صفة الحجارة. ومعنى طلق اليدين أنه سخيٌ بذالٌ يطلق يديه بالمعروف. والوهوب: الكثير الهبات.

لا تنفري يا ناق منه فإنه ... شراب خمرٍ مسعرٌ لحروب

لولا السفار وبعد خرقٍ مهمهٍ ... لتركتها تحبو على العرقوب

جعل نفار ناقته كأنه كان من المدفون، فنهاها عن ذلك، ثم أخذ يصفه بالكرم والشجاعة، والتقدم والشرب والبطالة. والمسعر: الذي كأنه آلةٌ في إيقاد نار الحرب.

وقوله لولا السفار، كانت العادة في العرب أن الواحد منهم إذا اجتاز بقبر كريمٍ كان مأوى للأضياف، ومقيماً لقراهم، ينحر راحلته ويطعمها الناس إذا أعوز الزاد ولم يتسع، يفعل ذلك نيابةً عنه، إلا أن يمنع مانعٌ من بعد السفر وتناهي المشقة وما يجري مجراه، فقال هذا الشاعر معتذاراً من إبقائه على راحلته، لما خف الزاد الذي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015