وشهباً "، وأن مسترقة السمع لم يلمسوا السماء ولا طلبوا ذلك منها، وإنما تراقوا للسمع ليسترقوا السمع لا غير. وإذا كان كذلك فمعنى لمس التمس وطلب. وكذلك قول الشاعر:
مسسنا من الآباء شيئاً وكلنا ... إلى حسبٍ في قومه غير واضع
معنى مسسنا منه طلبنا وفتشنا ونظرنا، وليس هو من المس باليد في شيء. ويدل على أن معنى قوله ألمسه أطلبه أنه عقبه بقوله فلا أجده؛ وهذا ظاهر.
وقوله:
وكيف يلام محزون ... كبيرٌ فاته ولده.
يريد: كيف يلام على البكاء والتوجع محزونٌ قد مسه الكبر، ومن كان أعده لحياته ومماته، واعتده للنيابة عنه في عياله ومعاشه، قد فاته حتى لا طمع في إيابٍ له، ولا في مغوثةٍ من جهته وإن استغاث به.
إذا ما دعوت الصبر بعدك والبكا ... أجاب البكا طوعاً ولم يجب الصبر
فإن ينقطع منك الرجاء فإنه ... سيبقى عليك الحزن ما بقى الدهر
يقول: إذا ميلت الرأي بين حمل النفس على الاستمرار في الجزع، والذهاب في الهلع، وبين ضبطه وإمساكه والأخذ بالصبر فيه، ثم استدعيت الصبر من جانب والبكاء من جانب، وجدت البكاء يستجيب سريعاً من غير تباطؤٍ واستكراه، ووجدت الصبر يخذل ويتأخر، فلا يكون منه دنوٌ ولا مساعدة. وهذا الكلام تلهفٌ وتوجع. ثم أقبل على المرثي فقال: إن كان الأمل فيك منقطعاً، والرجاء من إيابك متأخراً مستبعداً، فإن الحزن يبقى عليك ويتصل باتصال الأبد، لا يفتر ولا يتغير. وقوله طوعاً مصدرٌ في موضع الحال، أراد: أدجاب طائعاً غير مجبر.
لا يهنئ الناس ما يرعون من كلإٍ ... وما يسوقون من أهلٍ ومن مال