منعه. والمفاعيل تحذف كثيراً لأن القرائن تدل عليها. وإنما قال ذؤابة قومهم ولم يقل ذوائب قومهم، لأنه عدهم شيئاً واحداً، لتناصرهم واتفاق أهوائهم. والذوابة: اسمٌ في الأصل، وقد وصف به، وكما قيل هو ذؤابة قومه، وهم ذوائب قومه، قالوا في الضد منه: هو ذنابة قومه، وهم ذنائب قومه. وقوله أولئك إخوان الصفاء نبه به على زوال الخلاف وسقوط المراء من بينهم، وعلى خلوص نية كل واحدٍ منهم مع صاحبه، حتى كان ما يجمعهم تصافياً لا كدرٍ، وتوافقاً بلا حسدٍ، وأنهم كانوا في التعاون والتظاهر كالكف الواحدة، فكل واحدٍ منهم كالإصبع من تلك الكف، فلما تخرموا ومات الواحد بعد الواحد، صارت الكف تتراجع بنقصان أصابعها حتى صارت لا تغني في البطش بها، ولا تعمل عند القبض والبسط عملها.
لعمرك إني بالخليل الذي له ... علي دلالٌ واجبٌ لمفجع
وإني بالمولى الذي ليس نافعي ... ولا ضائري فقدانه لممتع
أقسم بأنه مفجعٌ بمن تعز حياته ويكرم مقامه، حتى يرى لنفسه تدللاً واجباً عليه، وتمكنا مكيناً منه؛ وممتعٌ بمن لا رغبة له في العيش معه، فليس في بقائه نفعٌ له ولا في ذهابه ضررٌ عليه، وكان الواجب أن يقول: ليس نافعي حياته أو وجدانه، حتى يكون في مقابلة قوله ولا ضائري فقدانه إلا أنه لما ضاق نطاق البيت عنه لم يبال بالاقتصار على نافعي، إذ كان المراد بها مفهوماً، وإذ كان ضميره في ليس يقوم مقام حياته لو أتي به. وسمى من اشتدت فاقته إلى حياته خليلاً لاختصاص مكانه من قلبه، وعلى عادتهم في تسمية المعتمد عليه خليلاً، حتى سموا الفرس والسيف خليلاً. قال يعني الفرس:
................... وأتقي ... بهاديه إني للخيل وصول
وقال الآخر في السيف:
ما سد كفي خليلها