أمحل الناس إذا أسنتوا. وقوله فإن يقتلوا بالغدر أوساً يريد أن أبا سفيان هذا كان انطوى على غلٍ لأوسٍ، وعداوةٍ كامنةٍ له، فتوصل بما ادعى من خيانته في مال الصدقة إلى ضربه وقتله، لذلك قال: إن تقتلوا بالغدر. وقوله فإنني تركت أبا سفيان ملتزم الرحل، يريد: إني اتأرت من أبي سفيان وجعلته ملتزماً لرحله لا حراك به، أي قتلته بدلاً من صاحبه.
فلا تجزعي يا أم أوسٍ فإنه ... تصيب المنايا كل حافٍ وذي نعل
أخذ بعد اقتصاص الحال يسلي أم أوسٍ عن ابنها، وبطيب قلبها، ويعرفها أن الموت طريقٌ يسلكه الناس على اختلاف طبقاتهم، وأنه لا محيد عنه ولا معدل. وحسن ذلك منه لأنه كان قد أدرك الثأر لها، وشفى نفسها من داء مصيبتها، فأقبل يبرد غليلها بوعظه، زيادةً في الاهتمام لها والتوفر عليها.
وكان يجب أن يقول: كل ذي حفىً وذي نعلٍ، أو كل حافٍ وناعلٍ، لكنه لما وجد اسم الفاعل ينوب مناب ذي كذا، لم يبال أن يكون أحدهما بذي. وهذا يبين ما يسلكه أصحابنا البصريون في مثل قولهم: طالقٌ وحائضٌ، أنه على طريق النسبة وفي معنى ذات طلاقٍ وذات حيض، ويؤكد صحته.
قتلنا بقتلانا من القوم عصبةً ... كراماً ولم نأكل بهم حشف النخل
ولولا الأسى ما عشت في الناس بعده ... ولكن إذا ما شئت جاوبني مثلي
في هذا الكلام دلالةٌ على استفحال الشر بينهم حتى قتل من الجانبين عدة، لذلك قال: قتلنا بدل قتلانا من القوم عصبة يرجعون إلى كرمٍ. والعصبة: العشرة من الرجال، وقيل ما بين العشرة إلى الأربعين، وكذلك العصابة من الناس والطير والخيل. وهذا تنبيهٌ على أن الثأر الذي أدركه منهم كان منيماً، والاشتفاء من دائه به كان مجيباً. وقوله ولم نأكل بهم حشف النخل يريد: لم نشتغل عن طلب دمهم بالأكل. وذكر الحشف إزراءٌ بذلك الطعام لو صرفت النفوس إليه مع تضايق الوقت في طلب الدم. ويجوز أن يريد: لم نأخذ ديتهم. وجعل التمر حشفاً كما قال غيره.
ولا تأخذوا منهم إفالاً وأبكراً ... وأترك في بيتٍ بصعدة مظلم