موضع ما أمشي على الأرض، وإن أمش على الأرض. فأما تذكره له أبداً فالوجه أن يكون عاماً فيما يتعلق بالمتوفى وبمن يرثيه، كأنه لا ينسى أخلاقه وطيب العيش معه، ولا الامتناع بمكانه وشدة الفاقة إلى حياته، فلا ينسى ما يلزمه في قضاء ذمامه وطلب دمه، ومكافأة أعدائه وقاتليه، إلى غير ذلك. يشهد لهذا الذي قلناه ما يجيء كثيراً في هذا الباب من قولهم " هون وجدي أنني لم أفعل كذا " و " يذكرني من فلانٍ كذا "، وما يجري هذا المجرى، ويجوز أن يكون قال: لا أنساه، تعظيماً للمصيبة به، وتفظيعاً للحال المعترضة فيه، وعلى عادة قول الناس عند النازلة الهائلة، والنائبة الكاربة: لا ينسيني هذا شيءٌ، وهو نصب عيني إلى أن أموت، والمعنى: لا يرى أعظم منه.

على أنها تعفو الكلوم وإنما ... نوكل بالأدنى وإن جل ما يمضي

مثله قول الأحوص:

إن القديم وإن جلت رزيئته ... ينضو فينسى ويبقى الحادث الأنف

وقوله على أنها تعفو الكلوم يجري مجرى الاعتذار منه والاستدراك على نفسه فيما أطلقه من قوله: لا أنسى قتيلا رزئته مدة حياتي. يكشف هذا أن موضع على أنها تعفو الكلوم من الإعراب نصبٌ على الحال، والعامل فيه ما أنسى قتيلاً. وهذا كما تقول: ما أترك حق فلانٍ على ظلعٍ بي، كأن التقدير أؤديه ظالعاً، فعلى المثال الذي ذكرنا يجيء ما أنسى قتيلاً رزئته على عفاء الكلوم، أي أذكره عافياً كلمى كسائر الكلوم. ويعنى بالكلم: الحزة عند ابتداء الفجعة. وإنما قال هذا لأن الإنسان بكونه مهدفاً للأحداث، غرضاً للمصائب والأرزاء، موزع الحال بين ما يتجد له أو يبلى، مقسم الصبر في أثناء ذلك على ما يحدث أو يتولى، فلذلك قال نوكل بالأدنى وإن جل ما يمضي فهذا بيان كون الكلام اعتذاراً. وقوله على أنها الضمير للقصة، وخبر أن الجملة بعدها، ولو قال: على أنه لجاز وكان الضمير للشأن والأمر. والمراد: على أن القصة إذا اقتصت، والصورة إذا تحققت، أن الجروح تعفو، وإنما الجزع للأقرب منها فالأقرب يتسلط فيعلو. وهذا كما سئل بعضهم: ما أشد الأدواء؟ فقال: ما يحضرك، وإن برح بك ما غاب! ويقال عفا الشيء، إذا درس عفاءً وعفواً، وتعفى أيضاً، وعفته الريح، وعفا الشيء: كثر عفواً وعفوته. قال أبو زيد: يقال عفوت صوف الشاة، إذا أخذته، وعفوته إذا وفرته، فهو من الأضداد. وأبلغ مما

طور بواسطة نورين ميديا © 2015