وهما واحدٌ، على عادتهم في تصريفهم الكلام عند الأمن من الالتباس، فيقول: ابتكرت علي تلومني وتنسبني إلى العجز، من السفاه، أي مما تصورته سفاهاً من أحوالي. ثم أخذ يجبهها ويسفه قولها وفعلها فقال: سفهاً تعجز بعلها، أي تعجيزها لي وتقريعها إياي لسفهها، وجهلها بموارد الأمور ومصادرها. والسفه والسفاه والسفاهة: الخفة والاضطراب. ويقال: تسفهت الريح الغصون، إذا حركتها. والبكور، أصلها الابتداء، ولذلك قيل لأول النهار بكرة. وتلومني في موضع الحال، والعامل فيه بكرت. وانتصب سفهاً على أنه مفعولٌ له وقد قدم. والبعل، أصله النكاح، ولذلك قيل للمرأة بعلةٌ أيضاً، وقد ابتعلت وتبعلت، أي أطاعت زوجها.

لما رأتني قد رزيت فوارسي ... وبدت بجسمي نهكةٌ وكلوم

جواب لما تقدم، وهو بكرت علي. كأن هذا الشاعر لاقى هو أعداءه ومنابذيه، بأصحابه ومعاونيه، فكانت الدبرة عليه وعليهم، فجرح هو وقتل أولئك، فعدت امرأته تلك الفعلة منه وما اتفق عليه سفهاً وذنباً يستحق لهما اللوم، فطفقت باكرةً عليه تعجزه وتؤنبه. والنهكة: التأثير، يقال بانت عليه نهكة العلة والمصيبة. ومعنى رزيت: أصبت بهم. وتقدم القول في مجيء الفوارس جمعاً لصفات المذكر يغنى عن إعادته.

ما كنت أول من أصاب بنكبةٍ ... دهرٌ وحيٌ باسلون صميم

قوله من أصاب نكرةٌ تفيد الكثرة، والمراد أول إنسانٍ أصابه بنكبةٍ دهرٌ. وهذا على عادتهم في نسبة الحوادث إلى الدهر، كما قال بعضهم:

يا دهر قد أكثرت فجعتنا ... بسراتنا ووقرت في العظم

فأما تنكيره للدهر فقد حكي عن أبي زيدٍ وأبي عبيدة ويونس أن الدهر والزمان والزمن والحين، يقع على محدودٍوغير محدود، وعلى عمر الدنيا من أوله إلى آخره. وقال الخليل: الأبد الدهر الممدود، ويجعل اسماً للنازلة. ويقال: دهرٌ من الدهر، لبعضه، كما يقال حينٌ من الدهر. وقد اشتق منه فقيل: إنها لداهرة الطول، أي طويلةٌ جداً. والشاعر أراد بما قاله التجلد للشامت والتسلي من المصاب، وأن يظهر لمن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015