ومعنى البيت: من كان الوقوف على ديار الأحبة من همه، فأمسى مقامه في بلاد مسائلاً أطلالاً فيها لا تجاوبه، فأميى كيت وكيت. وجواب الجزاء فيما بعده. وقد مر القول في حذف النون من يك.
فلابنة حطان بن قيسٍ منازلٌ ... كمانمق العنوان في الرق كاتب
الفاء مع ما بعده إلى صدر البيت الذي يليه جواب الجزاء، كأنه قال: فلهذه المرأة منازل أنا وفقت بها، وقضيت حق الهوى فيها. والمعنى: من كان الوقوف على الديار من دينه في الهوى ومذهبه، حتى صار يسائل مالا يجيب، فلى في الوقوف على ديار ابنة حطان ما يزيد على كل مذهبٍ، ويعفى على كل عادةٍ. وقوله كما نمق العنوان من صفة المنازل، ويروى العنيان والعلوان. فأما العلوان فهو فعوال من علن الأمر، أي ظهر. وأما عنوانٌ فهو فعوالٌ أيضاً من عن له كذا، أي عرض. وأما عنيان فهو فعلانٌ من عناه كذا يعنيه. وفي هذا القدر من الكلام في هذا الموضع كفايةٌ إذ كنا قد بسطنا القول في شرح كتاب الفصيح. وكان الواجب أن يقول كعنوانٍ نمقه كاتبٌ، وتشبيه آثار الديار بالكتابة مألوفٌ في طرائقهم، لكنه طول الكلام تحقيقاً للتشبيه، فصار ظاهره كأنه شبه الآثار بتنميق الكاتب خطه إذا عنون كتاباً. ومثله قول الهذلي:
هبطن بطن رهاطٍ واعتصبن كما ... يسقى الجذوع خلال الدور نضاح
ألا ترى أن المراد تشبيه الإبل وقد دخلت في السراب بجذوع نخلٍ مسقيةٍ في أصولها الماء، فجاء ظاهره كأنه شبه الإبل بسقى النضاح للجذوع؛ لأن معنى كما يسقي كسقى، كما أن معنى كما نمق كتنميق.
وقفت بها أبكي وأشعر سخنةً ... كما اعتاد محموماً بخيبر صالب
يقول: وقفت بهذه الأطلال مقيما بها رسم من ثبت عهده في الهوى، ولم يغيره تقاذف الأحبة والنوى، ومظهراً التلهف والتحسر في إثر ما تقادم من أيام الوصال بالبكا، وقد أبطنت جوىً اعتادني منه حمى سخنت منها بشرتي، وحمت لها روحي