أجنوب إنك لو رأيت فوارسي ... بالسيف حين تبادر الأشرار
سعة الطريق مخافة أن يؤسروا ... والخيل يتبعهم وهم فرار
هذا الكلام تلهف وتحسر، وإخبار بحسن بلائه وبلاء فرسانه فيما منوا به وتحمدٌ. فيقول: لو شاهدت فرساني يا جنوب بالسيف وهو شاطئ البحر حين تسابق شرار الرجال وجبناؤهم إلى متسع الطريق، خارجين من منافذ المضيق، خوفاً من الإسار، هائمين على وجوههم، والخيل في طلبهم وهم يستغيثون بي عند احمرار الباس، واشتداد المراس، على عادتهم معي في الكرائه، لرأيت أمراً منكراً. حذف جواب الأمر، وإبهام الحال في مثل هذا الكلام أبلغ من بيانها، وقد مضى القول في مثله، فيما تقدم. وسعة الطريق: مفعول تبادر، ومخافة انتصب على أنه مفعولٌ له، وأن يؤسروا مفعولٌ من المخافة.
يدعون سواراً إذا احمر القنا ... ولكل يوم كريهةٍ سوار
احمرار القنا إنما يكون من الدم السائل عليه، لكثرة الطعن. وقد قيل: موتٌ أحمر، ومنيةٌ حمراء، يراد الشدة، حتى قيل سنةٌ حمراء، وقالوا: " الحسن أحمر " أي يتجشم في طلب الجمال الشدائد. وقوله ولكل يوم كريهةٍ سوار أراد أن يبين أن ذلك دأبهم عند الكريهة في دعائي ودأبي في الإجابة، وأنه لم يكن بدعاً منهم ومني ولا نكرا.
من كان أحجم أو خامت حقيقته ... عند الحفاظ فلم يقدم على القحم
فعقبة بن زهيرٍ يوم نازله ... جمع من الترك لم يحيم ولم يخم