ومثل قول وضاحٍ ما قاله المتلمس، وهو:
فلتتركنهم بليلٍ ناقتي ... تدع السماك وتقتدي بالفرقد
والسماك من قبل المشرق، والفرقد من قبل الشام.
فإنك لو رأيت الخيل تعدو ... عوابس يتخذن النقع ذيلا
رأيت على متون الخيل جناً ... تفيد مغانما وتفيت نيلا
يصف الغزو وملاقاة العدو، وأنه لا يحتمل التصابي والتبطل، ولا يصلح للمشتغل به التشوق والتغزل، فيقول: لو رأيت الدواب عاديةً بفرسانها وقد تكلحت لاشتداد الحال عليها، وسحبت ذيلاً من الغبار لتناهي شدها، لرأيتها كأن علها جناً لا رجالاً، تستفيد المغانم من أعدائها. وتفيتهم نيل شيءٍ منها. وهذا كما قيل " يسبق إن طلب، ويلحق إن طلب "، ويشهد لأفاد وأنه يكون بمعنى استفاد قول الآخر:
فلا أنا منه ما أفاد ذوو الغنى ... أفدت وأعداني فأتلفت ما عندي
لا قوتي قوة الراعي قلائصه ... يأوي فيأوي الكلب والربع
ولا العسيف الذي يشتد عقبته ... حتى يبيت وباقي نعله قطع
أخذ أبو تمام هذا المأخذ في قوله:
والصبر بالأرواح يعرف فضله ... صبر الملوك وليس بالأجساد
يقول: ليس غنائي في الأمور وكفايتي غناء الرعاة الذين سعيهم وكدهم مقصوران على ضم القلاص وحفظها في مراعيها عند سرحها وإراحتها، فإذا أوى إلى موضعٍ أوى إليه كلبه الذي يحرس به وربعه. والربع: ما نتج في الربيع. وقوله ولا العسيف انعطف على الراعي. يريد: ولا قوتي قوة العسيف. فالعسيف: الأجير