أمات نفسه الحظ منهم فقد ذل. والمناواة أصلها الهمز، واشتقاقها من النوء: النهوض. كأن المتعاد بين يناهض كلٌ صاحبه إما بنفسه، وإما بعقيدته ونيته. وقوله " سوء صنيعةٍ " جعل الصنيعة اسما فهي كالكريهة. وقوله " وإن قيل قاطع " ارتفع قاطع على أنه خبر ابتداءٍ مضمر، كأنه أراد وإن قيل هو قاطع. وفي طريقته قول الحطيئة:
فأبقوا لا أبا لكم علهيم ... فإن ملامة المولى شقاء
وروى بعضهم: " وأن قيل " بفتح الهمزة، كأنه يعطفه على قوله مناواة، والمعنى حسبك من الأمرين المذكورين مناواة الأقارب، وقول الناس هو قاطعٌ عاقٌ. والأول أجود وأشبه بما اقتصه وتصرف فيه.
إن يحسدوني فإني غير لائمهم ... قبلي من الناس أهل الفضل قد حسدوا
الضمير في " يحسدوني " لطائفةٍ من الناس خصهم بالإخبار عنهم، وقصدهم بالكلام. فيقول: إن نافسوني وحسدوني، ورمقوا النعمة علي بعين التسخط. فإني لا أولمهم ولا أعتب عليهم، إذ كان التنافس والحسد يتبعان الفضل، وإذ كان من قبلنا اعتاد بعضهم من بعضٍ مثل ما نراه بسبب الفضل. وقد أحسن كل الإحسان من قال:
وإذا سرحت الطرف حول قبابه ... لم تلق إلانعمةً وحسودا
فأما قوله " قبلي من الناس أهل الفضل قد حسدوا ". فمثله قول عمر بن أبي ربيعة:
وقديماً كان في الناس الحسد
وقبلي جعله لغواً، ومن الناس تبيينٌ، وقد حسدوا خبر المبتدأ.
فدام لي ولهم ما بي وما بهم ... ومات أكثرنا غيظاً بما يجد