أنشد:
وما زودوني غير سحق عباءةٍ ... وخمس ميءٍ منها قسيٌ وزائف
وقال: يريد ومنها زائف. وهذا كما تقول زيدٌ منطلقٌ وعمرٌو، والمعنى وعمرو منطلق، فحذف اكتفاءً بالخبر عن الأول، وعلماً بأن المنعطف ذلك حاله. قال: فإن أمكن اجتماع الصفتين لموصوفٍ واحد استغني عن إضمار من، ذلك كقولك صاحباك منهما ظريفٌ وكريمٌ.
منهم ليوثٌ لا ترام وبعضهم ... مما قمشت وضم حبل الحاطب
يقول: من الرجال رجالٌ كالأسود عزة وأنفةً، لا يطلب اقتسارهم واهتضامهم، ومنهم متقاربون كالقماش واللفائف، جمعوا على ما اتفق من شيءٍ إلى شيء. كأنه لم يقنعه ذلك التشبيه وتلك القسمة، فاستأنفهما على وجهٍ آخر. وقوله " وبعضهم مما قمشت " ينوب فيه ذكر بالبعض عن قوله " ومنهم "، لأن من للتبعيض فاستغنى به. وقوله " وضم حبل الحاطب " كقول الآخر:
وكلهم يجمعهم بيت الأدم
قال الأصمعي: لأن بيت الأدم يجمع الجيد والرديء، على تقارب بينهما، ففيه من كل جلدٍ رقعةٌ. وكذلك الحاطب يجمع في حبله الجيد والرديء، والرطب واليابس، على تدانٍ بينهما. فإن قيل: وما الفائدة في إعادة التقسيم والتشبيه؟ فالجواب أن يقال: كأنه صنفهم في الأولى من حيث اختلفوا عنده في الأعمال والأخلاق، وعلى توهم تباعدٍ بينهم، بدلالة قوله من الرجال أسنةٌ ومنهم مزندون لا يعتد بحضورهم. وبين الصفتين تفاوتٌ عظيم، وتباين شديدٌ. وصنفهم في الأخرى من حيث اختلفوا فيها على توهم تقاربٍ بينهم؛ لأن فيمن يقمش من لا يباين المباينة الفاحشة، ولا يخالف المخالفة المنكرة.
أقول لنفسي حين خود رألها ... مكانك لما تشفقي حين مشفق