يقول: هلكت حمير عند الالتقاء، لأن الدبرة كانت عليهم لا لهم، وكان لهم بالبيداء يومٌ صعبٌ. ويقال: يومٌ وأمرٌ عسرٌ وعسيرٌ، والفعل منه عسر بالضم وعسر بالكسر، ويقال هو العسر واليسر، والعسري واليسري.
وأيقنت القبائل من جنابٍ ... وعامر أن سيمنعها نصير
يقول: وتيقنت جابٌ وعامرٌ بطون بني كلبٍ أنه سيذب عنها نصيرٌ ظهيرٌ، ومعينٌ قويٌ. ويعني بالنصير بني التيم. وجعل اللفظ نكرةً ليكون أبلغ في تعظيم النصرة، لأنه أراد نصيرٌ من النصار، أي كاملٌ في معناه. وجعلهم كلهم نصيراً لا نصاراً. لاتفاق كلمتهم وأهوائهم. وقوله " أن سيمنعها " أن مخففةٌ من الثقيلة، واسمه محذوف، يريد: أنه سيمنعها والسين في الفعل لئلا تلتبس المخففة بالناصبة للفعل. والهاء الذي أظهرته ضمير الأمر والشأن.
أجادت وبل مدجنةٍ فدرت ... عليهم صوب ساريةٍ درور
يقال: هذا يوم دجنٍ، أي يوم إلباس غيمٍ. والدجنة: الظلمة، وليلةٌ مدجانٌ. فيقول: أتت سحابة الجيش بمطرٍ جود، فوبلت وبل مدجنةٍ - أي سحابةٍ لها ظلامٌ، لكثافتها وقربها من الأرض - فصبت عليهم المنايا در ساريةٍ، أي سحابةٍ تسري ليلاً. والدرور، هي الكثيرة الدر. ويرتفع على أنه فاعل درت. وصوب مصدرٌ من غير لفظه، كأنه قال صابت درورٌ صوب ساريةٍ. وجعل ما في العجز من هذا في مقابلة ما في الصدر، من قوله " أجادت وبل مدجنةٍ " كأنه قال: أجادت الخيل وبل مدجنةٍ فدرت درور الموت در سارية، فالسارية بإزاء المدجنة لا غير. وكل ذلك مثلٌ لتكثير الشر، وتفظيع البلاء والقتل. وفي هذه الطريقة قول النابغة:
ومعلقين على الجياد حليها ... حتى تصوب سماؤهم بقطار
وذكر بعضهم أن أجادت ودرت فعلان جمعا للدرور، فهو كما يقال قام وقعد زيدٌ. قال: والدرور: حربٌ تدر بالدماء. ويقال: جادت وأجادت بمعنىً واحدٍ؛ والمراد جادت درورٌ فدرت عليهم كوبل مدجنةٍ، وكصوب ساريةٍ. والأول أقرب وأكشف وأصح.