يقول: تركت الخيل في تجوالها منهم رئيساً مصروعاً، قد سال الدم على خذيه فكأنهما خضبا بالعندم، وهو دم الأخوين. والمقول بلغة أهل اليمن: القيل، والمقاول والمقاولة جمعه، وهم الأقوال والإقبال. وقيلٌ مخففٌ من قيلٍ، فهو من الواو أيضاً، ومعناه هو الذي ينفذ قوله، ويعتمد أمره ونهيه. ووصف به الملك كما وصف بالهمام، لما كان إذا هم بالشيء فعل، لا يرد ولا يدفع. وقيل للسلان مقولٌ لما كان آلةً في القول.
أمر على أفواه من ذاق طعمها ... مطاعمنا يمججن صاباً وعلقما
يقول: صارت مطاعمنا مرة على أفواه من ذاقها، حتى إنها تمج بعد ذواقها صاباً وعلقماً، والصاب: شجرةٌ لها لبنٌ إذا أصاب العين حلبها. والعلقم: شجرٌ مرٌ، وقيل هو الحنظل. حكى أن العلقمة المرارة. ويقال علقم الحنظل. إذا أدرك مرارته. وقوله: " يمججن " حالٌ للأفواه، والتقدير أمر مطاعمنا على أفواه الذائقين طعمها، ماجةً صاباً وعلقماً، أي إذا ذاقت رمت بما هو كهذين. والمعنى: إذا خبرنا حصل منا على ما هو كذلك. وجاز في طعمها الإضمار قبل الذكر؛ لأن الكلام يحتمل نية التقديم والتأخير، لما كان رتبة الفاعل وهو مطاعمنا التقديم، ورتبة المفعول وما يجري مدراه التأخير، وهو على أفواه من ذاق طعمها. وفي طريقة هذا البيت قول الآخر:
فإن نغمز مفاصلنا تجدنا ... غلاظاً في أنامل من يصول
والطعم: الذوق، والمطاعم: جمع المطعم. ويقال هو حسن المطعم، أي طيب الطعام.
؟ وقال في ذلك أيضاً:
وإني وإن لم أفد حياً سواهم ... فداءٌ لتيمٍ يوم كلبٍ وحميرا
يقول: أنا وإن كنت أربأ بقدري، وأرفع نفسي أن أجعلها فداءً الغيري، أفدي تيماً بها؛ لما كان منهم من حسن البلاء يوم اجتماع كلبٍ وحمير للقتال. وجواب الشرط، وهو قوله " إن لم أفد " قد اشتمل عليه الكلام، لأن المعنى: إن لم أفد غيرهم ترفعاً، فإني أفديهم تشكراً.