والمراجعة واختلافاً وتنائياً عن الالتئام والموافقة وتباعداً. وقوله أمس تقريبٌ لزمان فعله، ولم يرد اليوم الذي ولى يومه. وهذا كما تقول: فلانٌ بالأمس يفعل كذا وأمس معرفةٌ، وإنما بنى لتضمنه معنى الألف واللام.
فلو كنت في الأرض الفضاء لعفتها ... ولكن أتت أبوابه من ورائيا
يقول: لو كنت بالبدو لرددت حكومته وأبديت كراهتي لها، ولكني كنت أسيراً إذ كنت في الحضر حاصلاً في داره، وداخلاً تحت ملكته. ومعنى أتت أبوابه من ورائيا أي حالت مسالحه ومراصده بيني وبين مرداي. ووراء بمعنى قدام هنا، ومثله في القرآن: " وكان وراءهم ملكٌ ".
فليت رجالاً فيك قد نذروا دمي ... وهموا بقتلي يا بثين لقوني
فيك أي في معناك وبسببك. وقوله قد نذروا من صفة رجالاً، ولقوني خبر ليت. والمعنى تمنيت أن رجالاً فعلوا في معناك ما فعلوا من الهم بقتلي، وعقد النذر في سفك دمي، التقوا معي، ماذا كانوا يفعلون. وفي هذا الكلام إبهامٌ أنهم لا يجسرون على التعرض له، وفيه استهانةٌ بأقوالهم ومكايدهم، وإن كانوا قد بذلوا من القول ما بذلوا، وأضمروا فيه ما أضمروا. وقد فسر تهيبهم له، ونكوصهم عن الإقدام عليه في البيت الثاني.
إذا ما رأوني طالعاً من ثنيةٍ ... يقولون من هذا وقد عرفوني
يقول: إذا ما أبصروني مقبلاً عن عقبةٍ، طالعاً عليهم من طريقٍ إليهم مفضيةٍ، يتساءلون فيما بينهم بقولهم: من هذا، وإن كانوا عارفين بي. أي يتجاهلونني جبناً وإحجاماً.
يقولون لي أهلاً وسهلاً ومرحباً ... ولو ظفروا بي ساعةً قتلوني
نبه بهذا الكلام على تملقهم وإظهارهم بالنفاق ما لا يوافق باطنهم، عجزاً وضعف كيدٍ. والمعنى يستقبلونني بالتأهيل ويتلقونني بالترحيب عند الالتقاء، ولو أعطوا الظفر لأتوا علي وما أبقوا.