وإنما أعاد قوله تقول إيذاناً بتفننها في الملام، وتوسع مجالها في الكلام. وقوله هلى ضلة خبر مقدم، وأن ينفق المال في موضع المبتدأ. والتقدير: وهل إنفاق كاسب المال له ضلال.
وإني لأسدي نعمتي ثم أبتغي ... لها أختها حتى أعل فأشفعا
وأجعل نعمي ما فعلت ذمامة ... علي وآتى صاحبي حيث ودعا
قوله وإني لأسدي نعمتي، يقول: إذا اصطنعت عند إنسان صنيعه، وأوليته لاتصال رجائه بي عارفة، لم أرض بإفرادها، لكني أطلب لها توابع ولواحق، حتى تصير النعمة عنده شفعاً لا وتراً، والإحسان إليه مكرراً لابدعاً، كل ذلك تلذذاً بالإفضال، وشهوة في إسداء العرف والإجمال. ويقال: شاة شافع، إذا كان معها ولدها. والعلل: الشرب الثاني. والنهل: الشرب الأول، فاستعاره لإتباع الصنيعة بمثلها.
واجعل نعمي ما فعلت ذمامة، أجعل: أسمي، من قول الله عز وجل: " وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إنائاً ". ويجوز أن يكون بمعنى أصير. كأنه يعتقد في الإحسان أنه إساءة. والذمامة: الذم. والذمام، بكسر الذال: الحرمة. والمعنى: أتذمم من نعماي عند غيري، لأن بالغاً ما بلغت أكون لنفسي مستقصراً، ولفعلي مستزيداً، فلا أعتد بما أسديه، ولا أتجمد بالإنعام فيه، ولكنه أعده كالوصمة التي يتذمم منها.
وقوله وآتى صاحبي حيث ودعا، يريد أن من يستغيث بي أجيبه وأغيثه أشد ما كان حاجة إلى حين ودع أهله وعشيرته، ليأسه من الدنيا وتوطينه النفس على الهلك والردى، فآتيه مستنقذاً ومحامياً، ومنتعشاً ومرامياً. وقوله حيث ودعا، يجوز أن يكون للزمان والمكان جميعاً. وقد تقدم القول فيه. وقد جعل ودع بمعنى مات، وبيت متمم يشهد له، وهو:
فقد بان محموداً أخي حين ودعا