لقد بكرت أم وليد تلومني ... ولك أجترم جرماً فقلت لها مهلاً
فلا تحرقيني بالتلامة واجعلي ... لكل بعير جاء طالبه حبلاً
فلم أر مثل الإبل مالاً لمقتن ... ولا مثل أيام العطاء لها سبلاً
يقول: ابتكرت هذه المرأة لائمة لي وعاتبة علي من غير جناية جنيته واكتسبتها، ولا جريمة اجترمتها وقدمتها، فقلت لها: رفقاً في قولك لا خرقا، وصبراً على مضضك واقتصاداً؛ ولا تحرقيني بنار عتبك، وسلطان غيظك، ولكن اتبعي مرادي، واهتدي بهديي، واثقة بأن الصواب في فعلي وقولي، وجوامع الخير مقرونة بعفوي بعفوي وجهدي، واجعلي لكل بعير نصصت عليه لسائل حبلاً، ليقتاده به، مشاركة لي في الكرم وابتغاء الصلاح، وموافقة فيما أوثره من وجوه الاصطناع، لا يظهر منك تكره، ولا اشتطاط وتسخط. واعلمي أني لم أر مالاً مثل الإبل لمن يقتضي خيراً، ويدخر أجراً، ولا مثل أوقات العطاء سبيلاً لها وممراً. ويجوز أن يريد بقوله مالاً لمقتن أي لمن يجمع ما يقتنيه ويجعله الأصل في يساره وغناه. وبعد ذلك فتحويلها إلى العفاة برمتها أعود عليهم وأرد، وأبقى في حالهم وأغنى. والاقتنا: اتخاذ الشيء للنفس لا للبيع. ويقال: هذه إبل قنية، وهذه مال قنيان، لما يتخذ للنسل لا للتجارة. ويقال قنا يقنو، لغتان، ومن الثانية قولهم: أقنى حياءك. ومن الأولى قوله:
كذلك أقنو كل قط مضلل
فرمت إليه امرأته بخمارها وقالت: صيره حبلاًلبعضها وأنشأت تقول:
حلفت يميناً يا ابن قحفان بالذي ... تكفل بالأرزاق في السهل والجبل