ثم ترك الإخبار عن نفسه، وأقبل يخاطب موقدي ناره فقال ارفعاها، أي اجعلاها في يفاع ومكان مشرف، فعسى أن تضيء لسار مرمل فقير في آخر الليل، وقد كابد ما كابد من أوله، فخلص إلينا، واهتدى بنارنا. والمتنور: الناظر إلى النار. وإنما قال فيا موقدي ناري على عادتهم في جعل مزاولي الأمور اثنين اثنين. على ذلك قول الآخر:
ترى جازرية يرعدان
وكما قالوا في الحلب البائن والمستعلي، وفي الاستقاء القابل والمستقي.
ولعل يعد مع أفعال المقاربة وإن كان حرفاً. والمقتر: الفقير. ويقال قتر وأقتربي بمعنى. وقد يجعل المقتر نقيض المكثر.
وماذا علينا أن يواجه نارنا ... كريم المحيا شاحب المتحسر
إذا قال من أنتم ليعرف أهلها ... رفعت له باسمي ولم أتنكر
فبتنا بخير من كرامة ضيفنا ... وبتنا نهدي طعمة غير ميسر
قوله وماذا علينا، أي أي ضرر يلحقنا في أن يتوجه إلى نارنا رجل كريم الوجه، هزيل المعري، قد ظهر أثر الضر على متحسره، أي حيث يتحسر الثوب عنه، كالوجه وسائر مالا يغطيه. وقوله كريم المحيا ضد قولهم: لئيم المقذ، لأن المحيا هو الوجه، فأضيف الكرم إليه. والمقذ: منتهى الشعر من القفا، فأضيف اللؤم إليه، وقد قيل: حر الوجه، وعبد لامقذ، وعبد القفا. وقوله إذا قال من أنتم، يريد أنه يتعرف لينظر هل على النار من يكرم قراه ويطيب النزول عليه. وقوله رفعت له باسمي جواب إذا، أي عرفته اسمى إذا سأل، ولم ألبس نفسي خمولاً، ثقة بأنه يرضاني لنزوله، ولأنهم كانوا ير وزون المستضاف بالكلام، لينظروا ماذا يكون منه من استهلال واهتزاز، أو ازورار وانقباض.