ياأم كدراء مهلا لا تلوميني ... إني كريم وإن اللوم يؤذيني
فإن بخلت فإن البخل مشترك ... وإن أجد أعط عفواً غير ممنون
يخاطب امرأته وقد تضجر بملامتهاولذعة إنكارها وعتابها، فيقول: رفقاً فيما تسلكينه، وكفا عما أولعت به، فإني نشأت على الكرم فلومك يؤذيني ولا يغني عنك شيئاً؛ لأني لا أقابله بالقبول، وقد يؤدي الإفراط في القول إلى الزيادة في الولوع، ولأني إن بخلت فالمبخول به مشترك بيني وبين ورثتي، وإن أجد أعط مالي عفواً، أي تسمحنفسي نفسي به فلا أكون مجهوداً، ولا أمتن على من يأخذه، لأني أقضي بالبذل لذة ومأربة، وأمضى هوى لي في مصارف ومنية، مستخلصاً من شركة غيري، ومقتسماً في وجوه إرادتي وبذلي.
وقوله فإن البخل مشترك إن شئت جعلته على حذف المضاف، ويكون المراد: فإن ذا البخل. وإن شئت جعلته المفعول، كما يقال الخلق والمراد المخلوق، ودرهم ضرب والمراد مضروب. والممنون يجوز أن يكون من المن، وهو القطع، أي أديم ذلك إدامة من يتصرف في ملكه لا من يتصرف في مشتركه. ويجوز أن يكون من المن والأذى. وقال بعضهم: أراد بقوله إن البخل مشترك، أن الناس أكثرهم بخال، فيكون لي شركاء. وهذا كلام معتذر من البخل لا كلام ذام له. ومع ذلك فعجز البيت يبتعد عنه ولا يلائمه، وقد أبان عما ذكرته فيما يليه، لأنه قال:
ليست بباكية إبلي إذا فقدت ... صوتي ولا ورائي في الحي يبكيني
بنى البناة لنا مجداً ومكركة ... لا كالبناء من الآجر والطين
يقول: إني لا أبقى على إبلي ولا أبقى منها ما يفضل عن إفضالي، فإذا مت عنها وفقدت صوتي في زجرها والأمر بتفريقها، فإنها لا تبكيني؛ وكذا وارثي لايحصل شيئاً من إرثي فلا تراه يندبني. ثم قال: إن أسلافي بنوا لي مجداً وكرماً، فأحتاج أن أقتدي بهم وأعمر خططهم، وإن لم يكن كالبناء المبني من الطين والآجر، لأن المكارم تسترم فتدعو إلى تفقدها، بخلاف ما تنفقد به المصانع إذا استرمت.