وإني لأستحي رفيقي أن يرى ... مكان يدي من جانب الزاد أقرعا
وإنك مهما تعط بطنك سؤله ... وفرجك نالا منتهى الذم أجمعا
وصف حسن أدبه في مواكلة رفيقه ولفه، وأنه لا يستأثر بما يعجب من الزاد، ولا تظهر منه نهمة وحرص، بل يستحي من أن برى ما يلي يده من الزاد خالي المكان. وليس لأحد أن يقول إن إنقباضه يؤدي إلى انقباض أكيله، وذلك مذموم، وإنما المحمود أن ينبسط في الأكل ويبسط من أكيله وذلك أنه قد بين الغرض في البيت الذي بعده، لأنه قال:
وإنك مهما تعط بطنك سؤله ... وفرجك نالا منتهى الذم....
فبين أن إبقاءه جانبه من الزاد مشغولاً ليس مع حاجة إليه، ولا عن إمساك يؤدي إلى ما ذكرته، فيصير ذلك سبباً في إنقباض من يواكله، وإنما يريد ما يجري به من عادة الناس من إظهار الشره والذهاب فيه إلى حد السرف، حتى يمد يده إلى ما يلي غيره، ويتخطى أيدي الناس. وهذا ظاهر. وموضع أجمع من الإعراب جر على أن يكون تأكيداً للذم، وهو إلى التأكيد أحوج من قوله منتهى، لأنه متناول للجنس والعموم، وما يفيده في الجنس أولى. وقوله نالا منتهى الذم، كأن الأجود أن يأتي المضارع في جواب الشرط، وقد حصل مضارعاً وظهرت الجزمية فيه، لكنه أتى به ماضياً للضرورة.
وقد ألم بهذه الطريقة المرقش فقال في الغزل:
وإني لأستحي فطيمة جائعاً ... خميصاً وأستحس فطيمة طاعما
وإني لأستحييك والخرق بيننا ... مخافة أن تلقى أخا لي لائماً
ألا ترى أنه أجمل ما فصله هذا الشاعر في قوله: أستحيي طاعماً، وجائعاً. هذا مع البعد بينه وبين صاحبته. ويجوز أن يريد بقوله مكان يدي من جانب الزاد أقرعا، ويجوز أن يريد بقوله مكان يدي من جانب الزاد أقرعا، أنه يكثر الزاد حتى يسعه وجماعتهم ويفضل أيضاً، والأول أحسن. وأصل الفرع ذهاب شعر الرأس من داء. وحكى أنه قل نعامة تسن إلا قرعت؛ لذلك قيل: نعام قرع. والسول يجوز أن يكون من سلت أسأل، لغة هذيل في سأل. ويجوز أن يكون لين همزته وأصله الهمزة. ويجوز أن يكون من سولت له نفسه كذا، إذا زينت له. وسول له الشيطان كذا، إذا أرخى حبله فيه وفي القرآن: " الشيطان سول لهم ".