ثم قال:
عاذلتا إن بعض اللوم معنفة ... وهل متاع وإن أبقيته باق
والمراد بيان تعاون العشيرة في اللوم والإنكار، وتساعد رجالهم ونسائهم على الوعظ والإنذار. وقوله ولا تكن خفياً، يريد اتخذني إسوة واعمل على أن تكون ساكي الذكر، عالي الصيت، حتى لا يخفي إذا عدت رجال الخيرات أمرك، ولا ينمحي إذا بانت الصالحين أثرك. وأشار بالخيرات إلى الخصال الصالحة والخلال الشريفة. وواحدتها خيرة. وليست هذه التي تكون في موضع أفعل من كذا ومعناه، كقولك فلان خير من فلان، بل هي الواردة في قوله عز وجل: " فيهن خيرات حسان ". وفي قول الشاعر:
وأمها خيرة النساء علي ... ما خان منها الدحاق والأنم
أرى أبلي تجزي مجازي هجمة ... كثير وإن كانت قليلاً إفالها
مثا كيل ما تنفك أرحل جمة ... ترد عليهم نوقها وجماله
قوله أرى إبلي تجزي يقول: أجد إبلي تقضي عني وتحصل في النيل منها وتورد الحقوق إياها محاصل هجمة، وهي القطعة من الإبل بين الستين إلى المائة. والجزية من هذا، وهي الخراج الموضوع، لأنها قضاء لما عليه أخذ. وفي القرآن: " واتقوا يوماً لا تجزي نفس عن نفس شيئاً "، أي لا تقضي ولا تغنى. وفي الحديث: " كان رجل يداين الناس، وله كاتب ومتجاز ". وقوله: وإن كانت قليلاً إفالها، يريد وإن كانت ضعيفة النسل، قليلة العدد. والإفال: صغار الإبل واحدها أفيل، وإنما قلت إفالها لذهاب التثمير والزكاء عنها، ولكونها محبسة بالأفنية، مقصورة على الحقوق، مصروفة إلى أرزاق العفاة. يشهد لذلك قوله مثاكيل، وهي جمع مثكال: التي تثكل أولادها كثيراً؛ لأن ربها يفصل دائماً بينها وبين أولادها بالنحر تارة وبالهبة أخرى. وقوله ما تنفك أرحل جمة، أي لا تزال أرحل جماعة منزله. وفي الحديث: " إذا ابتلت النعال فالصلاة في الرحال ". أي لا يزال مأوى جماعة تصرف إليهم إذا وردوا ذكورها وإناثها. أما إناثها فللحلب، وأما ذكورها فللنحر.