يريد: رب مستضيف بالنباح يطلب لنفسه مكاناً يبيت فيه، وقد سقط عنه كلف السير، وأسباب الجهد، وحجز بينه وبين الليل سجفاً ظلمة وكسورها. والسجف: الستر، وتكسر السين منه وتفتح. والكسور: جمع الكسر، وهو جانب البيت. قال الخليل: الكسر والكسر: الشقة السفلى من الخباء، يرفع أحياناً ويرخي أحياناً، وكذلك من كل قبة وغشاء، حتى يقال لناحيتي الصحراء كسراها. ولما استعار السجف لتراكم الظلمة استعار الكسور لها أيضاً، كأنه جعل الليلة كالبيت لظلامها وقد أرخى سجفاه وألبس كسراه، فأظلم داخله. وجواب رب قوله فعت له ناري، والواو من قوله ودونه واو الحال. وقوله فلما اهتدى بها يريد لما رفعت النار فأبصرها وأقبل نحوي منعت كلابي من أن يهر في وجهه عقورها. والعقور، يريد به السيئة الخلق منها، المولعة بالعقر. فإن قيل: ولم يجعل في كلابه العقور حتى احتاج إلى زجره عن ضيفه؟ قلت: كأنه كان في الكلاب ما لم يكن يلزم الفناء، وإنما يكون مع الراعي في السرح للحفظ، فاتفق أن حضر مع كلاب الحي، فلذلك احتاج إلى زجره.
وقوله فبات وإن أسرى من الليل عقبة خبر بات بليلة صدق وجواب إن الجزاء ما اشتمل عليه البيت. فيقول: مكث الضيف عندي في ليلة صدق لا نحس فيها ولا شر، والراحة تعاوده، والسلامة تلزمه وتتلقاه، وإن كان قد سرى عقبة منها، أي طائفة. وانتصب عقبة على الظرف، وأصلها أن يتعاقب اثنان على البعير، فإذا ركب أحدهما مشى صاحبه، ثم كثر استعماله فأجرى مجرى النوبة والفرصة، فيقال: سار عقبة كم يقال سار نوبة. وقال الخليل: العقبة فرسخان؛ وهما يتعاقبان الركوب بينهما. وقوله أن يهر في موضع النصب على البدل من كلابي. وقد تقدم القول في ليلة صدق وما أشبهه:
كأن قدور قومي كل يوم ... قباب الترك ملبسة الجلال
كأن الموفدين لها جمال ... طلاها الزفت والقطران طال
بأيديهم مغارف من حديد ... أشبهها مقيرة الدوالي