وداع بلحن الكلب يدعو ودونه ... من الليل سجفا ظلمة وغيومها
دعا وهو يرجو أن ينبه إذ دعا ... فتى كابن ليل حين غارت نجومها
بعثت له دهماء ليست بلقحة ... تدر إذا ما هب نحساً عقيمها
قوله داع بلحن الكلب، يعني مستنبحاً تكلف نبيح الكلب في صوته، ولحن لحنه، وفعل ذلك إذ حال بينه وبين المناظر من الليل ستران من الظلم، والتباس الغيوم. وإنما قال سجفا ظلمة وغيومها تأكيداً، كما قيل: " ظلمات بعضها فوق بعض " ولهذا لم يرض بذلك حتى أضاف إليه ظلمة السحاب أيضاً المغطية للكواكب.
وقوله دعا وهو يرجو أن ينبه إذ دعا، يقول: استنبح، وهو يؤمل أن ينتبه لدعائه وينبعث فتى كغالب، حين غارت النجوم بالليل، والأهوال متراكمة، وظلم الليل والسحاب متراكبة، واستيدت فرج السماء وآفاق الجو. كأن الضيف تمنى أن يتفق له إجابة كإجابة غالب، وهو ابن ليلى، فاتفق أن هيىء له إجابة الفرزدق. يشهد لذلك قوله: بعثت له دهماء، يعني بها قدراً. وكشف عن مراده بقوله ليست بلقحة، أي ليست هي بناقة، وإنما هي قدر تدر مرفتها إذا هب عقيم الرياح بالنحس. ويعني به الدبور، لأنها لا تلقح، وبها هلكت الأمم السالفة. وجواب رب المضمرة في قوله داع قوله بعثت له دهماء. وقد اعترض بينهما بيت.
كأن المحال الغر في حجراتها ... عذارى بدت لما أصيب حميمها
غضوب كحيزوم النعامة أحمشت ... بأجواز خشب زال عنها هشيمها
محضرة لا يجعل الستر دونها ... إذا المرضع العوجاء جال بريمها
جعل المحال، وهي فقر الظهر، والواحدة محالة، في نواحي القدر وجوانبها لسمنها وبياضها مع تضمن القدر السوداء لها، وإحاطتها بها، كأبكار النساء، وقد لبسن ثياب السلاب لما أصبن بحميمهن، فيبدون بيض الوجوه، سود الثياب. وقد أحكم القول في أصل عذارى في غير هذا الموضع.