ويملكه في موصع النصب على الحال. وقوله لا معط معط في موضع المبتدأ كأنه قال: لا هو معط. والكلام بعث على البذل والسخاء، وأن المال في الدنيا بعرض الحوادث ملقي، وعلى طريقي النوائب، فلا يبقى لمالكه، كما أن مالكه لا يبقي له، فما يقدمه في اجتلاب شكر واكتساب أجر هو الباقي له، دون ما يخلفه فيقتسمه الوارث بعده فائزين به وذامين له.
المال يغشى رجالاً لا طباخ لهم ... كالسيل يغشى أصول الدندن البالي
أصون عرضي بمالي لا أدنسه ... لا بارك الله بعد العرض في المال
أحتال للمال إن أودي فأجمعه ... ولست للعرض إن أودي بمحتال
قوله لا طباخ لهم، أي لاخير عندهم. ويقال: هذا لحم لا جباخ له، أي لا دسم له. وشاب مطبخ، أملاً ما يكون شباباً وأرواه. وطبخ الغلام، إذا ترعرع وعمل. والدندن: المسود من الكلاء لقدمه ويبسه. والمعنى أن المرء لا يؤتى الغنى لفضل فيه وغناه لديه، وإنما ذلك لمقادير قدرت على حسب ما عرفه الله تعالى جده، وهو الذي يغني ويقني من مصالح خلقه. وإذا كان كذلك فقد يتفق حصول المال عند من لا يستحقه بفضل أوتيه، أو ذمام وجب له، بل يكون كالسيل يمتد من المذانب والتلاع حتى يقف حاصلاً في أصول يابس الكلاء ومسوده، في أنه لا ينتفع به ولا يرد خيراً على جامعه، كما لا ينتفع الدندن البالي بما يغشى أصوله من ماء المطر. وفي مثل هذا قول الراعي:
وخادع المجد أقوام لهم ورق ... راح العضاه به والعرق مدخول
وقد أخذ أبو تمام هذا المعنى فقال وأحسن:
لا تنكري عطل الكريم من الغنى ... فالسيل حرب للمكان العالي