لعمرك: مبتدأ وخبره محذوف، وقد مضى القول فيه فيما تقدم. فيقول: وبقائك، ما تعلم هذه المرأة أن خيالها يأتيني ثنىً، أي مرة بعد أخرى. وفي الحديث: " لاثنى في الصدقة "، أي لاتؤخذ في السنة مرتين. وقوله " ماأزال أعاوده " يريد أني ممتحن بمجيئها، لأنها تراجعني فتصرفني عن أسبابي، وتعوقني عن مهماتي. والمعنى أنها غافلة عما أكابده من خيالها في المنام، ومن ملازمة ذكرها لي عند الانتباه، لأنها لاتجد مثل وجدي، فلا الذكر يهيج الشوق، ولا الفكر يجدد الطيف. وهذا الكلام تشك منه وتعتب على صاحبته، يدل عليه قوله " فشقت على صحبي "، يعني الخيال؛ وذاك لأنه لما سهر بعث أصحابه على النهوض معه والانبعاث في السير مساعدين له، فهذا معنى الشقة عليه. وقوله " وعنت ركائبي " جمع ركوبة، وهي تجري مجرى الأسماء في انفرادها عن الموصوف، لايقال ناقة ركوبة. والمعنى: أتعبت رواحلي، لأن أزعجتها للسير، وبعثتها من القرار، وحلت بينها وبين الراحة. وقوله " وردت على الليل قرناً أكابده " أي جعلتني ممتطياً لليل، ومتخذاً قرناً لي أزاوله وأجاذبه، أي أشاقه وأناصبه. وأصله من الكبد، في قوله تعالى: " لقد خلقنا الإنسان في كبد "، أي في شدة ومشاقة. وقال الخليل: يقال كابدت ظلمة الليل بكابد شديد، أي مكابدة شديدة. وكل هذا الكلام تبجح منه عندها بأنها تملكه على غفلتها عنه، وانفراده بالبث فيها، فخيالها يصرفه التصريف الذي وصف. وانتصب قرناعلى الحال.
وقال آخر:
أثنى على بما لا تكذبين به ... يا بكر أي فتى للضيف والجار
إني أجاور ما جاورت في حسبي ... ولا أفارق إلا طيب الدار
قوله " بما لاتكذبين به " أي لاتصادقين بذكره كاذبة. يقال: خبرني فلان فأكذبته، أي وجدته كاذبا. والمعنى: ليكن ثناؤك على حقا، وبما لايستسرفه معه ولا يستنكره مخبره. ثم علمها فقال: قولي يا بكر، أي فتىً كنت للجار إذا استجار، والضيف إذا استضاف.