وقوله " على حكمه " تعلق بحبسنا. وانتصب " صبراً " على أنه مصدر من غير لفظه، لأن معنى حبسنا وصبرنا واحد. وتقدير البيت: حبسنا على حكم هذا المختبط العافي أو النسيب إبلاً جعل من عادتها الحبس بالفناء صبراً، ولم نخرجها إلى المرعى لئلا يجد طريقاً إلى لومنا فيما يقدره عندنا. ويجوز أن ينتصب " صبراً " على أنه مصدر لعلة، أي لصبرنا على ما نمونه ونتحمله للعفاة فعلنا ذلك. ويجوز أيضاً أن يكون انتصابه على الحال، لأن المصادر تقع مواقع الأحوال، أي صابرين على ذلك لهم.
وقوله " فطاف كما طاف المصدق "، يريد أن هذا الطالب مكناه من إبلنا المحبوسة في الفناء فطاف فيها متخيراً منها في خيارها وكرائمها، وإذا كان متخيراً في بوازلها وسدسها وهي أكرم الإبل وأقواها، فما دونها أولى أن يكون مخيرأ فيها. وتشبيهه إياه بالمصدق وهو طالب الصدقة تحقيق لتحكمه وتبسطه وتسحبه. يريد أن إدلاله إدلال من يستخرج حقاً واجباً لله تعالى. وقوله " يخير منها "، إعرابه نصب في موضع الحال من طاف الأول. ومعنى يخير، يجعل له الاختيار منها. وهذا تحكيم ثان سوى ما سوغت له نفسه بإدلاله.
ولقد علمت لتأتين عشية ... ما بعدها خوف على ولا عدم
وأزور بيت الحق زورة ماكث ... فعلام أحفل ما تقوض وانهدم
فلأتركن الساملين حياضهم ... ولأحبسن على مكارمي النعم
قوله: " ولقد علمت " يجري على القسم، ولذلك أجابه بلتأتين. ويعني بالعشية آخر النهار من يوم موته. فيقول: تيقنت والله أنه يأتي على عشية من يوم قد تخليت فيه من الدنيا وانقطعت الأسباب بيني وبينها، فلا أكون من الفقر على رقبة، ولا من حوادث الدهر على خيفة، وأزور القبر الذي هو " بيت الحق ". وأضاف البيت إلى الحق لأنه لاسكنى بعده، فكأنه الموضع الذي يؤوي إليه الحق ويفضي إليه من أنزله الموت ناقلاً من دار إلى دار. وقوله " زورة ماكث " أي أزوره زيارة المقيم المنتظر