وقوله إبل، اسم صيغ للجمع، ويتناول الكثير دون القليل. وقد ثنى هاهنا على فرقتان، فقيل إبلان. وهذا كما يقال قومان ةعشيرتان وأهلان. وقوله شلت بها، أي من أجلها وبسببها. ويروى: شت لها إبلان، ويرجع معناه إلى معنى الباء، وذلك لأنه في معنى المفعول له، أي شلت عوضاً عما شل منها، فيكزن لها الأولى في موضع الحال كما قلت، لكونه صفة متقدمة، وضميرها يرجع إلى الجارة لا غير، أي إبل متملكة لجارة لقبيلة سعد بن مالك. ولها الثانية تكون في موضع المفعول له، والضمير منها يعود إلى الإبل إن شئت، وإن شئت إلى الجارة. فاعرف الفصل بينهما إن شاء الله.
إذا عقدت أثناء سعد بن مالك ... لها ذمة عزت بكل مكان
إذا سئلوا ما ليس بالحق فيهم ... أبى كل مجني عليه وجان
ودار حفاظ قد حللتم مهانة ... بها نيبكم والضيف غير مهان
قوله إذا عقدت أفناء سعد بن مالك، يصفهم بحسن التعاون والترافد فيما بينهم، وانتفاء التخاذل والتباين عن سيرهم وأخلاقهم، فإنهم يد واحدة على من سواهم، لا استبداد للكبيرفيهم، ولا انحطاط للصغير منهم، بل كل يرضى فعل صاحبه، واختصاص النفر منهم في الأمور كفعل الجمهور، فمتى دخل واحد من أفنائهم في الأمر العظيم وتكفل به، أعانه الرؤساء حتى يخرج منه، لا يهملون أمره، ولا يستهينون بشأنه. وإن عقدت أوساطهم أو المتأخرون منهم ذمة لها عزت تلك الذمة وغلبت في الأماكن كلها، وجب الوفاء فيها عليهم بأسرهم، لا اختلال منهم في دفعها، ولا انفكاك لهم من ملازمتها.
وقوله إذا سئلوا ما ليس بالحق فيهم، يريد أنهم إذا سيموا خطة الضيم اجتمعوا على اجتوائها والتسخط لها، واترين كانوا أو موتورين، وطالبين كانوا أو مطلوبين، لما يفرضونه على أنفسهم من إباء الدنية، والتشارك في طروق البلية، إلى أن تنقضي بمدافعتهم لها، وبالانتقام من جالبيها. وقوله ودار حفاظ قد حللتم، يعني أنهم نزلوا دار المحافظة على الشرف رأوا مراغمة الأعداء لدى الصبر على الكلف، وحسن ثيابهم، وكرم بلاؤهم، وطابت أخبارهم، وكثرت غاشيتهم، لأنهم يهينون كرائم أموالهم، ويعزون ضيوفهم.