والركوب والاستحثاث في السير، فلا تبالي بما تحمل أو تكلف، حتى أنها كانت كالموكلة بالسابق المتقدم، فكلما رأت رفقة فالهوادي منها نصب عينيها حتى تلحق بها أو تتقدمها. ومعنى التصنيع أنها لم تكن سمينة ولا مستصلحة للنحر، وإنما كانت للعمل لا غير.
سمعت بفعل الفاعلين فلم أجد ... كمثل أبي قابوس حرماً ونائلاً
فساق إلهي الغيث من كل بلدة ... إليك فأضحى حول بيتك نازلا
فأصبح منه كل واد حللته ... من الأرض مسفوح المذنب سائلاً
يقول: بلغني سعي طالبي الحمد، ومدخري الشرف والمجد، وما عليه ملوك الأرض في مضصارفهم ومباغيهم، وحزمهم ومساعيهم، فقسمت بعضه ببعض، فلم أجد كحزم أبي قابوس حزماً، ولا كنائله نائلاً. ثم دعا له بالسقيا ولمحله بالخصب والحيا فقال: جمع الله لك وفي فنائك ما هو مفرق في أطرار الأرض، وجوانب الأفق، من سواكب الغيث، فصار حواليك، فأي واد نزلته من الأرض جعله ممطور التلاع والمذاني، مخصب المسايل والمدافع، سائلاً بصوبه، مغموراً بنداه وبركته. وانتصب حزماً على التمييز، والكاف من كمثل أبي قابوس زائدة، ومثله:
لواحق الأقراب فيها كالمقق
أراد فيها المقق، كما أن هذا يريد: لم أر مثل أبي قابوس. وفي القرآن: " ليس كمثله شيء "، ويروى: فسيق إليه الغيث في كل بلدة إليك. وكأنه أخبر في صدر البيت ثم خاطب على عاداتهم. وقوله من كل بلدة إليك أي إليك أمرها وتدبيرها، فصرت تتولاها. وهذا كما قال: جعل بلد كذا إلى فلان. والمراد من البيت على هذه الرواية: جعل الله الدنيا تحت أمرك، ومنوطة بتدبيرك، ثم ساق إلى الغيث من آفاقها وأطرارها كلها إلى ما حولك فصار محتفاً ببيتك،