انتمينا: انتسبنا، أي قالوا يا لنزارٍ، وقلنا نحن: يا لطيئٍ، مشابهين للأسود. وقوله كأسد الشرى حذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه، كأنه قال: وكإقدام أسد الشرى إقدامها ونزالها وجاء الحذف لأنه لا يلتبس وجه التشبيه بغيره. ومعنى دعوا لنزار: انتسبوا إلى نزار. وهذا الاعتزاء الذي أشار إليه قد يفعله الفارس عند الطعن والضرب أيضاً، يقول الواحد منهم: خذها وأنا من بني فلان، وأنا فلان بن فلان.
فلما التقينا بين السيف بيننا ... لسائلةً عنا حفيٍ سؤالها
الإحفاء يكون في السؤال عن الشيء، ويكون في طلب الشيء من الغير، وهو المبالغة فيهما، والذي بينه السيف هو حسن بلاء أحد الفريقين وزيادته فيما يحمد من الصبر والثبات على صاحبه. وقد حذفه من اللفظ لأن المفاعيل تحذف كثيراً إذا دل الدليل عليها. ومعنى قوله: لسائلةٍ عنا حفيٍ سؤالها أن الإحفاء في السؤال والاسقتصاء في البحث، مما يزداد معه بينات الأحوال، وجليات الأمور. وجعل الحفي للسؤال على المجاز والسعة. وفسر قوله تعالى: " يسألونك كأنك حفيٌ عنها ": كان المعنى كأنك عالمٌ بها، لما كان الإحفاء في المسألة حقيقاً بأن يؤدي إلى العلم بالمسئول عنه. والسائلة يجوز أن يريد بها قبيلةً، ويجوز أن يريد بها امرأةً. وجعل قوله السيف كنايةً عن أنواع السلاح، بدلالة أنه أعاد ذكر استعمال السيف فما بعده، لما فصل أحوالهم وفسر مقاماتهم فقال: ولما عصينا بالسيوف.
ولما تدانوا بالرماح تضلعت ... صدور القنا منهم وعلت نهالها
يقول: ولما تقاربنا باستعمال الرماح رويت القنا من دمائهم، وصار الناهل منها عالاً. والنهل: الشرب الأول، والعلل: الشرب الثاني كأنهم عاودوا الطعن وكروا حالاً بعد حال. والتضلع، حقيقته أن يستعمل فيما له ضلعٌ، وعند الارتواء تنتفخ الأضلاع، واستعاره ها هنا. ويقال: تضلع شبعاً، وتحبب رياً. وخص الصدور لأن الصدور لأن الطعن بها. ويقال عل إبله يعل ويعل، فعلت هي. وإن شئت على هذا رويت: وعلت نهالها، وإن شئت رويت: وعلت.
ولما عصينا بالسيوف تقطعت ... وسائل كانت قبل سلماً حبالها