فيهم ومنهم يعد الخير متلداً ... ولا يعد نثا خزى ولا عار
لا ينطقون على الفحشاء إن نطقوا ... ولا يمارون إن ماروا بإكثار
من تلق منهم تقل لاقيت سيدهم ... مثل النجوم التي يسري بها الساري
وصفهم بأن الخير مرجو من جهتهم، ومعدود في خصالهم قديماً وحديثاً، وسلفاً وخلفاً، ولا يعد في أفعالهم ما يخزى ذكره، والتحدث به، أو يجلب عاراً عليهم لدى الكشف عنه والتأمل له، وذلك لخاوص مناقبهم عما يشين ولا يزين، وحسن قصودهم فيما يتصرفون فيه فيتناولونه بالنقض والإبرام، ثم إن تكلموا فليس عن فحشاء يضمرونها، ولا عن نكراء ينطوون عليها، فكانت الأقوال توافق الضمائر وتقفوها، والظواهر تطابق السرائر وتتلوها، بل يولون الكلمة العوراء إذا أدركوها الغفول عنها، والإغضاء على القذى فيها، تحلما وترفعا. وإن جاذبوا غيرهم وحملوا على لجاج في نزاعهم عرفت نهاية جدالهم، ونكتوا فيما يدلون به من حجاجهم، فقولهم فصل، وإمساكهم قصد وعدل، لا إكثار ولا إسراف، إذ كان من أكثر أهجر، ومن أسرف أفحش؛ ولأن عادتهم الاقتصاد فيما يخافون أداءه إلى القبيح، والامتداد إلى أبعد الغايات فيما يحسن مسمعه عند ذوى التحصيل. وقوله من تلق منهم، يريد ان النباهة تشملهم، فكل منهم يتسم بسيما الرياسة، ويتصور بصورة السيادة، وهم في الاشتهار والتميز عن طوائف الناس كالنجوم المعروفة النيرة، التي يهتدي بها السابلة والمارة، ويتفقد المعرفة بها في طلوعها وأفولها أولو النحل والممارسات. وقوله فيهم ومنهم يعد الخير متلدا يريد ما يلزمهم من الخصال وما يتعداهم. وانتصب متلدا على الحال. ويقال: تلد وأتلد بمعنى. والنثا يستعمل في الخير والشر، والثناء يستعمل في الخير لا غير، ويقال: نثا الخبر ينثوه نثواً.
آخر:
رهنت يدي بالعجز عن شكر بره ... وما فوق شكري للشكور مزيد