يرجى ولا ذو الحضر. وقوله ولا حضر حذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه. وهذا كما يقال: الجود حاتم، يراد جود حاتم. وكان الوجه أن يقول: ولا حاضر، مع ذكر البادي، ليكون الكلام أشد التئاماً، أو يقول: فلا بدو يرجى، مع قوله ولا حضر. وقوله فقلت له خيراً، يقول: شكرته على اصطناعه، وأثنيت على فعله، وكثرته في الناس ما تكلفه لي وتبرع به ونشرته. وقد وفاك حقك في الآسداء من حمدك، كما وفاك في المكافأة من أسأت إليه إذا ذمك. وكان وجه الكلام أن يقول: وأوفاك ما أسديت أو أسأت من ذم أو شكر، فاقتصر على ذكر الإسداء وإن كان يستعمل في الخير لا غير. وأصله من السدى وهو ندى الليل خاصة. يقال: سديت ليلتنا، إذا كثر نداها، ولا يكاد يستعمل في النهار. قال:
فأنت الندى فيما ينوبك والسدى
وقيل أصله من السدو، وهو التذرع في المشي اتساع الخطو. يقال: سدى البعير وأسدتيه، والأول هو الصواب.
ومثل قوله وافاك ما أسديت من ذم أو شكر قول الآخر:
فما أدري إذا يممت أرضاً ... أريد الخير أيهما يليني
لأن المراد أريد الخير وأجتنب الشر، فاكتفى بذكر أحدهما، ألا ترى أنه قال من بعد:
أألخير الذي أنا أبتغيهأم الشر الذي هو يبتغيني وقوله وأثنيت فعله أصله على فعله، فحذف الجار ووصل الفعل نفسه.
غلام رماه الله بالخير مقبلاً ... له سيمياء لا تشق على البصر
كأن الثريا علقت فوق نحره ... وفي أنفه الشعري وفي خذه القمر