يجعلون شهر البرد جمادى وإن لم يكن جمادى في الحقيقة، كأن الأسماء وضعت في الأصل مقسمة على عوارض الزمان، والحر والبرد، والريح والمطر، وتبدل الفصول، ثنم تغيرت فصارت تستعار. وقوله ذات أندية، تكلم الناس فيه، لأن جمع الندى أنداء. قال الشاعر:

إذا سقط الأنداء صينت وأشعرت ... حبيراً ولم تدرج عليها المعاوز

فكان أبو العباس المبرد يقول: هو جمع ندى المجلس. وكان أماثل الناس وأغنياؤهم إذا اشتد الزمان وجد القحط والجدب يجلسون مجالس يدبرون أمر الضعفاء، ويفرقون فيها ما حصل عندهم من فضل الزاد، وينصبون الميسر، وينحرون الجزر متبارين فيها ومتباهين. فيريد: في ليلة توجب ذلك وتقضي به. وقال غيره: هو جمع ندى، كأنه جمع فعلاً على فعال، ثم جمع فعالاً على أفعلة، كأنه ندى ونداء، ثم جمع النداء على الأندية ككساء وأكسية، ورواق وأروقة. وقيل أيضاً: هو شاذ استعير ما للممدود للمقصور. وهو يفعلون ذلك في المباني كما يفعلون في الألفاظ. قالوا: ومثله قفاً وأقفية، ورحى وأرحية. وهذا مما حكاه الكوفيون. وقال بعضهم: هو أفعله بضم العين، كأنه جمع فعلاً على أفعل، كما قيل زمن وأزمن، فجاء ندى وأند، ثم ألحق الهاء لتأنيث الجمع، كما تقول بعولة وحجارة، فصار أندية، ويكون في هذا الوجه شاذاً أيضاً. وقوله: لا يبصر الكلب من ظلمائها الطنبا، فيه مبالغة في وصف الظلمة وتراكمها. والطنب: حبل البيت. والكلب قويالبصر، فإذا بلغ أمره إلى ما وصفه فذاك لتكامل الظلام وامتداده. لذلك قال الآخر:

أناس إذا ما أنكر الكلب أهله ... حموا جارهم من كل شنعاء معضل

وقد قيل في هذا البيت وجه آخر. وموضع الجملة على الصفة لليلة، فهو جر، وساغ ذلك فيها لاحتمالها ضميرها، وكذلك قوله لا ينبح الكلب فيها غير واحدة. وانتصب غير على أنه مصدر، وأراد غير نبحة واحدة، ولما لم يجيء إلا مضافاً ولم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015